١٢١ ، ١٢٢ ـ (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢))
[النحل : ١٢١ ، ١٢٢]
الإجتباء إلهي فوقي لا إنساني تحتي ، ولهذا ألحت الأحاديث النبوية على أن المشيئة والإرادة لله لا للإنسان ، وأن الإنسان يشاء ويريد ضمن الدائرة الإلهية ، قال سبحانه في موضع آخر : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس : ٩٩].
والإجتباء خاصة إلهي محض ، وإلا فكيف ولد النبي نبيا وهو خارج من بطن أمه لم يعرف بعد خيرا ولا شرا؟ وكيف احتل مكانته الأزلية في عالم الذر من قبل أن يخلق الله عالم الكثافة؟ ولهذا قال سبحانه : (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) [الأنعام : ١٦٥] ، ووعت الصوفية هذه الحقيقة كشفا وذوقا فهابوا ، وقال أحدهم : الناس يخافون الخاتمة وأنا أخاف الفاتحة ... فالفاتحة هي التي أشارت أصلا إلى المرضي عنهم والمغضوب عليهم ... ولهذا لا تخاف الصوفية شيئا مثل خوفهم من داء العجب وهو قولك أنا وأنا ، لهذا لا ترى الصوفية أحدا من الخلق يرسلون غضبهم عليه لعلمهم بسر القضاء في البشر.
فلو لا أن الله اجتبى إبراهيم عليهالسلام لما بدأ إبراهيم رحلته من بلاد ما بين النهرين إلى فلسطين فالحجاز ولما تساءل أين الله ولا أعرض عن الأصنام التي عبدها قومه ومنهم أبوه نفسه ، فبهدى من الله يبدأ الإنسان هجرته إلى الله ، وبفضل منه سبحانه احتل النبي مكانته وكذلك الأولياء العارفون.
١٢٣ ، ١٢٨ ـ (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣) إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤) ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١٢٥) وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧) إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (١٢٨))
[النحل : ١٢٣ ، ١٢٨]
ملة إبراهيم ملة التوحيد ، وهي ملة قديمة قدم آدم ، وهذه الملة هي الإسلام الذي هو التسليم بالله الواحد الأحد الفرد الصمد ، ونفي الثنوية والتعددية والطبائعية والأسباب الطبيعية ، وفي الفلسفة ثمة موحدون في جميع الأزمان ، وهؤلاء من أشار إليهم سبحانه بقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ) [غافر : ٧٨] ، وكشف الدراسات النقدية عن أن عهد الوثنية اليونانية حافل بأعلام موحدين منهم من عرفنا ، ومنهم من لم تصلنا أخبارهم.