الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً كَبِيراً (٦٠))
[الإسراء : ٦٠]
الرؤيا الرؤية النبوية أو البصيرة التي قالت فيها عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها : أول ما بدئ به النبي صلىاللهعليهوسلم الرؤيا الصالحة ، وقال صلىاللهعليهوسلم : (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة) ، وفسر صلىاللهعليهوسلم قوله تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ...) [يونس : ٦٢ ، ٦٤] فسر البشرى في الدنيا بأنها الرؤيا الصالحة ، فالرؤيا الانتقال من عالم الحس والشهادة إلى عالم الغيب والسموات ، وهذا ملخص وجوهر قصة الإسراء والمعراج للنبي صلىاللهعليهوسلم.
ولما كانت العلماء ورثة الأنبياء كما جاء في الحديث ، فإن الرؤيا الصالحة هي التي تفرق بين الناس ، وتختار منهم ، وتصطفي إنسانا تجعل منه إنسانا كاملا كما حدث للإمام الغزالي الذي دخل الخلوة في دمشق والقدس وللإمام ابن عربي الذي دخل الخلوة فتى لم يطر شاربه بعد في مرسية بالأندلس ، وكما حدث لكثيرين من العلماء كجلال الدين الرومي الذين دخلوا الخلوة أناسا عاديين فخرجوا منها أولياء عارفين.
والشجرة الملعونة شجرة التناقض والتضاد ، ولهذا قال ابن عربي : الشجرة من الشجار ، ويقال في اللغة : شجر بينهم نزاع ، جاء في كتاب الله : (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) [النّساء : ٦٥] ، فأصل الشجرة التناقض لما في طبيعة الأسماء من تضاد ، وأما ذوائبها فمباركة كما وصفت في موضع آخر وسميت سدرة المنتهى ، فما في هذا الوجود إلا هذه الشجرة وأوراقها ، ولقد سبق وقلنا إن هذا الدين مبني على أساس من الجهاد ، جهاد النفس وجهاد الغير ، وبسبب التناقض نرلت سورة الفلق التي قال فيها سبحانه : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) ،) وبسبب التضاد اعترضت الملائكة على خلق آدم وبنيه إذ قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ) [البقرة : ٣٠].
فلا مدخل إلا من باب التناقض الذي هو أساس الفلسفة الهيغلية ، المدعوة الديالكتيك ... بل إن الملحدين تبنوا التناقض من بعد هيغل ، وإن لم يؤمنوا بمبدأ فلسفته الذي هو الروح ، كما فعل ماركس وسارتر وأمثالهما الذين قالوا إن الديالكتيك هو الحياة والحياة الديالكتيك ، وبسبب التناقض قال صلىاللهعليهوسلم : (لا راحة لمؤمن إلا بلقاء ربه) ، فما في هذه الدنيا إلا التضاد شئنا هذا أم أبينا ، ومع هذا فالعبرة في النهاية التي قد تكون مسك الختام ، فتسمى الشجرة من ثم سدرة المنتهى ... والمنتهى الراحة الكبرى التي وجد بردها إبراهيم بعد أن ألقي في نار الأضداد ، وهي السّلام الذي يجده الإنسان بعد أن يبلغ شاطئ اليقين فينعم بما في هذا اليقين من العلوم.