أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً (٥٧))
[الإسراء : ٥٦ ، ٥٧]
كل الأنبياء مظهر لله ، وكلهم قائمون به حتى الروح الأمين ، فما فعل عيسى من معجزات فعلها بإذن الله ، ولو لا الله ما استطاع فعلها ، ولهذا تحدت الآية الناس بأن يأتوا الله بآلهة تستطيع أن تفعل شيئا لأنه لا فاعل إلا هو.
٥٨ ـ (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨))
[الإسراء : ٥٨]
قلنا القرية البدن ، وهلاكها يكون عن طريق الخواطر المتحكمة فيها كما جاء في موضع آخر في وصف ملوك الخواطر قوله تعالى : (إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً) [النّمل : ٣٤] ، ولقد حدد سبحانه الهلاك قبل يوم القيامة ، وهذا بدهي إذ ما من إنسان إلا وتحكمه خواطره فهو بحكم الهالك ، وختمت الآية بالقول : (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) والكتاب اللوح المحفوظ أي النفس الكلية التي تتقبلها بدورها من العقل الفعال ، فالعملية مسلسلة حتى الله سبحانه ليكون صاحب القبضة وصاحب الفعل والقهر ، ولهذا وصفت هذه العملية بأنها مسطورة أي محتمة ، فلا وجود يخرج عن الوجود الإلهي ، لا صفة ، ولا فعل بل الملك لله الواحد القهار.
٥٩ ـ (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩))
[الإسراء : ٥٩]
ناقة ثمود إشارة إلى النفس الحيوانية ، وكونها مبصرة إمداد هذه النفس بصفة البصر الإلهية ، وما دامت الصفات لله فالناقة إذن إلهية مثلما كان البراق ناقة إلهية حملت النبي ، فالناقة إذن كلية هي الجسم الكلي الحيواني الجامع للأجسام الجزئية ، ولهذا قال ابن عربي في الفتوحات : الإنسان ظاهره خلق وباطنه حق.
وقوله : (فَظَلَمُوا بِها ،) يعني أنهم ظلموا بالناقة أي بواسطتها ، أي أن الظلم البشري تم عن طريق النفس الحيوانية ، وهذا ما أشار إليه ابن عربي أيضا عند ما وصف هذه النفس : بأنها دابة قد تكون حرونا صعبة القياد ، أو تكون طيعة سهلة القياد كما كان براق النبي وأتان المسيح ، والمغزى أنه عن طريق النفس الحيوانية يتم تحقيق العدل أو تحقيق الظلم ، الذي هو وجه من وجوه العدل أي إظهار له كما يكون الظلام إظهارا للنور.
٦٠ ـ (وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ