عمتته هو الاستجابة أولا والحمد ثانيا ، وعلى هذا فالآية تقتضي العبودية التامة والمربوبية الشاملة ، فيكون الناس كلهم عبيدا مأخوذين بالنواصي ، أما الحمد فيقع من قبيل رؤيا العارف الذي يرى أن الوجود يحيا بالحمد مادام قد استجاب لربه ، وأتى الله بما فيه من سموات وأرض ومخلوقات طائعا.
٥٣ ـ (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً (٥٣))
[الإسراء : ٥٣]
تحمل الخواطر الإنسان على الاستسلام لداعي الغضب أولا ولداعي الشهوة ثانيا ، والحوار بخاصة يهيج داعي الغضب حتى مبلغ العمى والجنون ، وتوصي الآية الإنسان بأن يقول التي هي أحسن ، أي توصيه بألا يستسلم للغضب ، ويحلم عمن جهل عليه ، ويتمسك بالصبر ، ويأخذ العفو ، وهذه كلها من الأخلاق الكريمة التي زين الله بها عباده الصالحين.
٥٤ ـ (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (٥٤))
[الإسراء : ٥٤]
الرحمة الهدي إلى النور بالنور ، وسمي هؤلاء مرحومين ، أما العذاب فهو البقاء في سجن الحجاب ، رغم أن ابن عربي جعل للعذاب تخريجا آخر ، إذ قال إنه مادام الموصوف مأخوذا بالصفة ومطبوعا بها فالنتيجة تجانس بين الموصوف والصفة وتلاؤم ، فيكون المعذب غير معذب ، وذلك بأن يجد في عذابه عذوبة لتوافق المحل مع ما حل فيه.
٥٥ ـ (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (٥٥))
[الإسراء : ٥٥]
تفضيل النبيين بعضهم على بعض كائن بسبب درجات المكاشفات ، فالله سبحانه ذكر في كتابه أن ثم درجات كاليقين وعين اليقين ، والصوفية ذكروا مقامات كالجمع والفرق وجمع الجمع والفرق الثاني ، ولما كانت الأنبياء مرسلين إلى الناس ، وأرسل عيسى مثلا إلى بني إسرائيل ، ولما كان هناك ما يدعى في علوم الصوفية بالتجسيد الدوري والتجلي الزماني فالنتيجة أن الله خص كل نبي بمقام ، والمقام يقتضي درجة معينة لا يجاوزها ، فخص موسى عليهالسلام بكشف الفعل لما أعطي الوصايا العشر ، وخص عيسى عليهالسلام بكشف الصفات لما أعلن عيسى عليهالسلام : (من ضرب على خدك الأيمن فأدر له الأيسر) ، وقوله : (أحبوا أعداءكم) ، وخص محمد صلىاللهعليهوسلم بكشف الذات الجامع للكشوف الثلاثة والطاوي لكل الدرجات والمقامات.
٥٦ ، ٥٧ ـ (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (٥٦)