وكان رد الغزالي أن خالق النفس والجسد قادر على بعث الجسد من جديد ، والآية تشير إلى هذا البعث الجسدي الذي هو في حقيقته بعث دائم متجدد كل يوم بل كل ساعة وهنيهة ... ففي كتابنا «فتح الوجود» بينا بالشروح العلمية والمعلومات الطبية الحديثة : أن ثمة عملية موت وحياة أو تحلل وبناء تقع في الجسد على الدوام ، وأن ثمة خلايا تموت وخلايا تولد فيه ، كما أوردنا قول من قال : إن الجسم يتغير كله كل مرور زمن ، فمن قائل : إنه يتغير كل بضع ثلاثين عاما ، ومنهم من قال : إنه يتغير كل بضع سنين ، والمهم أن الجسد هو في القبضة الخلاقة الباعثة البناءة ، وأن الذاكرة التي تحفظ الذكريات تجدد خلاياها ليستمر حفظ الذكريات كل يوم وساعة ، وأنه لو لم تتجدد هذه الخلايا لفقد الإنسان ذكرياته كما يحدث لمرضى فاقدي الذاكرة ، أو كما يحدث للخرف الذي مسه الكبر ، فجفت خلايا دماغه العصبية ، فنسي ما تعلمه ، وعاد طفلا.
٥٠ ، ٥١ ـ (قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً (٥٠) أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً (٥١))
[الإسراء : ٥٠ ، ٥١]
الآيتان تذكران أيضا بالقضية السببية التي عالجها الإمام الغزالي ومن قبله الإمام الأشعري وهي كون الله مسبب الأسباب ، وأن ما نراه من مظاهر قانون السببية لا يكفي للحكم على أن النار سبب الإحراق مثلا ، والقضية كما عالجها الغزالي عميقة الغور ، وملخصها : أن الطبيعيين يحكمون على ما يقع في عالم العيان بحواسهم وفكرهم ، في حين قال الغزالي : إن ما نراه بحواسنا ونعلمه لا يكفي لإصدار حكم على ما يقع في عالم الطبيعة ، وأضاف قائلا : إنه علم هو كشفا وذوقا من الفاعل الحقيقي ، ومن هو مسبب الأسباب.
والآيتان تشيران إلى هذه الحقيقة ، إذ تذكر الإنسان بالخالق الأول والموجه الأول والفاطر الأول ، فمهما شاهدنا من ظواهر لقانون السببية في الطبيعة فينبغي ألا ننسى أن ما نشاهده هو من توابع عالم الطبيعة أيضا ، وقلنا إن هذا العالم الحسي أنثوي منفعل ، وإن بدا أحيانا أنه فاعل كما يكون في الدور الذي يمثله الذكر مثلا.
٥٢ ـ (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً (٥٢))
[الإسراء : ٥٢]
يوم الدعوة المذكور في الآية هو يوم الجمع ، وهو يوم معنوي خارج عن نطاق الزمان والمكان ، ويراه العارف المكاشف رؤية البصيرة ، ويشاهد كيف يكون الناس عبيدا مربوبين ، وهذا هو معنى : (فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) الذي ورد في الآية ، فالآية عممت وما خصصت ، وما