القرآن نور من أنوار الله ، فالقرآن يخاطب القلب أي الوجدان لا العقل الفكر ، فمن كان على قلبه قفل فهو عن القرآن محجوب ، وهو لن يفقه منه قيلا ... أما أصحاب القلوب المنورة فهم الذين يصدق فيهم المثل القائل ما خرج من القلب وقع في القلب ، وما خرج من اللسان لا يجاوز الآذان ، فالنور القرآني يخاطب القلب المنور فإذا صاحبه يخشع ، بل تفيض عيناه من الدمع كما كان أبو بكر يبكي حين يقرأ القرآن حتى ليسمع بكاؤه من خارج بيته.
٤٧ ـ (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَسْحُوراً (٤٧))
[الإسراء : ٤٧]
الاستماع الاستماع إلى والاستماع ب ، أي بالاسم ، أي بإلهام الاسم ونجواه ، ولهذا قلنا الإنسان سجين اسمه وصفته ، فمن المحال أن تقنع بخيلا بالخروج عن ماله ، وقيل في وصف الكريم إنه أحمق في ماله ، أي أنه يتصرف تصرف الحمقى ، في هذا المال.
والمهم أن المحجوب يسمع من وراء الحجاب وبالحجاب ، ولهذا وصف سبحانه المحجوبين بأنهم يستمعون به في الوقت الذي يكونون فيه يستمعون إلى النبي أو إلى القرآن ، ولهذا كان تعليق أبي لهب على النبي لما دعا قومه للقائه ليحذرهم الله ويدعوهم إليه ضاربا مثلا الخيل التي ستغير عليهم من الوادي ، كان تعليق أبي لهب : تبا لك ألهذا جمعتنا؟
فلأهل الجنة فكر ومنطق وقلب يستمعون به ، ولأهل النار فكر ومنطق وقلب يستمعون به ، وعن هذه الطريق يتحقق قوله تعالى في الحديث القدسي : (هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي).
٤٨ ـ (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً (٤٨))
[الإسراء : ٤٨]
المنطق الذي تحدث به النبي صادر عن الروح ، وما دام الروح جامعا للمعقولات الشريفة فالنتيجة أن منطق النبي حق ومنطق القرآن حق ، ولهذا وصفت الصوفية بأنهم رجال الله ، ووصفت العلماء بالله بأنهم حكماء إلهيون ، فما دام الحق صاحب المعقولات الشريفة فلا يوجد حق آخر خارج هذا الحق ، ولئن وجد شيء فلن يكون إلا باطلا ، ولهذا لم يستطع المشركون أن يقولوا عن النبي صلىاللهعليهوسلم إلا أنه رجل مسحور فقط ... ولهذا كان ما أتى به النبي لباب الحكمة والأخلاق والسبيل الأقوم.
٤٩ ـ (وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٤٩))
[الإسراء : ٤٩]
الآية تذكر بالأسباب التي جعلت الإمام الغزالي يؤلف كتابه «تهافت الفلاسفة» ردا على أرسطو وأشياعه القائلين بقدم العالم وأن لا بعث للأجسام ... فمن مات تحلل جسمه واندثر ،