تجلى الله فيه باعتباره الوجود المطلق ، فهذا العبد هو الحق ظهورا ، وله من ربه السمع والبصر والكلام ، والفعل ، لهذا دعي عبد الله أي عبد لله أي مركبة لله ودابة ظهر الله عليها وبها نطق العبد من ثم بالكلام الإلهي والحكمة.
وسمي المقام المحمود مقام القرب ، والحقيقة أن ليس بين العبد المقرب ـ بفتح الراء ـ والحق المقرب ـ بكسر الراء ـ قرب ، إذ الحقيقة وجها عملة الوجود الواحدة ، فوجه للعبد ، ووجه للرب ، وظهر الله بالعبد ، وتكلم العبد بالرب ، فتم التوحيد والعين على حالها وكما كانت في الأزل قديمة وواحدة.
٨٠ ـ (وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً (٨٠))
[الإسراء : ٨٠]
مدخل الصالحين ومخرج الصالحين ، وهو أن يكون الإنسان اسما من أسماء الجمال الإلهية ، وأن ينعم بالسعادة وهو ما يزال بعد في بطن أمه ، ومخرج الصدق تحقق التوحيد وعلمه ، وهو ما كنا قد تحدثنا عنه في تأويل الآية السابقة ، فأي فضل يكون للإنسان مادام الله هو الذي يدخله مدخلا صادقا ، ويخرجه مخرجا صادقا ، ويتكلم من ثم بكلام إلهي موحى صادق يصيب المفصل؟
٨١ ـ (وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١))
[الإسراء : ٨١]
الباطل زهوق لأنه لا وجود حقيقيا له ، وكيف يكون له وجود وأصل الوجود الوجود الحق ، وقالت الصوفية : الشر للاعتبار ، وهو وجود نسبي لا أساسي ، وقلنا : إن وجوده هو إضافة إلى الوجود الحقيقي تأييدا للوجود الحقيقي وإظهارا له.
٨٢ ـ (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَساراً (٨٢))
[الإسراء : ٨٢]
أساس القرآن علم إلهي أسمائي قبل أن يكون كلاما في قرطاس ويتم الشفاء بفعل الأسماء نفسها ، فيكتب صاحب الاسم مؤمنا أو مجاهدا أو حليما أو عالما وهو في بطن أمه ، والرحمة هي نجاة العبد من ظلمات عالم النفس المادية وانتقاله إلى عالم الروح الجوهر اللطيف والتحاقه بالملأ الأعلى.
وعلى العكس فإن الظالمين في دار البوار يخلقون في ظلمة ، ويحيون في ظلمة ، ويموتون في ظلمة ، فحياتهم ظلمات بعضها فوق بعض ، والظلمات ظلم ، والظلم ظلمات ، فما لهذه الظلمات من بديل.