طروحات الفلسفة الحديثة وتأثير فلسفة هيغل الديالكتيكية التي تبناها حتى الملحدون من ماديين ووجوديين ، ولهذا قال سبحانه في موضع آخر من كتابه : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (٧١)) [مريم : ٧١] ، ثم ننجي الذين آمنوا ونذر الظالمين فيها جثيا.
٧٨ ـ (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً (٧٨))
[الإسراء : ٧٨]
بين دلوك الشمس أي زوالها إلى غسق الليل أي إقبال ظلمته تقام الصلاة ولإقامتها لطيفة ... ذلك أن الشمس رمز الذات ، والليل ليل المادة ، فالصلاة صلة بين ما هو باطن الذات أي الذات الإلهية وبين الجسم المادي ، ولهذا كانت الصلاة على المؤمنين كتابا موقوتا ، ولهذا أمر الحق النبي عند عروجه إليه بالصلاة ، وجعلها خمسين صلاة ، ثم خففها إلى خمس صلوات ، فليس بعد الصلاة فريضة ، وليس من دونها وعي ولا إدراك ولا بصيرة بل ولا وجود ... إذ الخلق كلهم مصلون وإن جهلوا ، فما من مخلوق إلا وهو يصلي ، ولهذا قال سبحانه في موضع آخر : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) [الإسراء : ٤٤]. أما قرآن الفجر فهو إشارة إلى اليقين الذي تشرق فيه أنوار الهدى ، ومطلعها بروز جبريل الروح الأمين من لباس المادة ، فمن قرأ القرآن فجرا أسفر له الروح الجامع من ذاته ، وعلم أنه ذاته ، وشهد أن لا إله إلا الله ، كما سئل البسطامي عن اسم الله الأعظم فقال للسائل : قولك لا إله إلا الله ، ولا تكون أنت هناك.
٧٩ ـ (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (٧٩))
[الإسراء : ٧٩]
النافلة الزيادة في الصلوات وهي من متطلبات الدخول في مقام الإحسان كما جاء في الحديث القدسي : (ما يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فمتى أحببته صرت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ورجله التي يمشي بها ويده التي يبطش بها) ، فالنافلة الزيادة في التواصل بين العبد والرب إلى أن تأتي البشرى ويطلع صبح اليقين ، ويبلغ العبد مقام الصالحين ، ويدخل في الصالحين ، فيكون عبدا صالحا صار هيكلا للاهوت الإلهي كما أنشد الحلاج قائلا :
سبحان من أظهر ناسوته |
|
سر سنا لاهوته الثاقب |
وسمي هذا المقام المحمود ، وخصت به الأمة المحمدية ، أي الموحدون القدامى المتجسدون دورا بعد دور ، فهؤلاء هم ظهور الله المطلق كما وصف ابن عربي فقيل فيه :