١٤ ـ (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً (١٤))
[الكهف : ١٤]
الربط على القلب مد القوى الإنسانية بالقوة الإلهية ومنها القلب المهتدي إلى الله بإذن الله ، وما دام الله الهادي المضل فالفكر الذي هو القلب في تقلبه يتقلب بين الشمال واليمين بإذن ربه ... ولهذا كان ثم رابطة بين الربط على القلب وبين الإيمان برب السموات والأرض ، فإذا أراد الله أن يهدي عبدا يشرح صدره للإسلام ، وإذا شرح صدره آمن ، وقال اللسان : (رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ،) فالعملية إذن عكسية تبدأ من الله وتنتهي بالعبد ، لا كما يظن الناس أن المؤمن هو الذي آمن ، والتصرف حكيم فصلنا الكلام فيه من قبل ، وأوردنا الأحاديث الدالة على أن القضاء هو السابق والحاكم ، وأن ليس للعبد من الأمر شيء ، فالكون تحكمه المشيئة ، وتسيره الإرادة كما تسير الأجرام في أفلاكها ... ولا عجب فقانون السببية الذي اكتشفه الفلاسفة والعلماء هو حق مع ملاحظة أن الله مسبب الأسباب.
١٥ ـ (هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً (١٥))
[الكهف : ١٥]
قلنا من قبل إن الآلهة هي صور الوجود الظاهرة ، واتخاذ الآلهة من دون الله النظر إلى الصور دون استشفاف من وراءها من مصور ، ولهذا تابعت الآية قائلة : (لَوْ لا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ ،) فلا دليل على أن هذه الصور هي الحقيقية وهي الفاعلة ، وإن بدت ظاهرة وفاعلة ، ولهذا قالت الأشاعرة : أن لا دليل على أن النار سبب الإحراق ، وإن ربط بين العلة والمعلول كما هو ملاحظ ظاهرا ، وتابع الإمام الغزالي الحفر في أرض العلة والمعلول إلى أن وصل كشفا إلى الكشف عن أن الله مسبب الأسباب.
١٦ ـ (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً (١٦))
[الكهف : ١٦]
الحواس وإن كانت طوع الإنسان إلا أنها ملك الله تعالى ، وهي بالله تعمل وتفعل ، وضربنا مثلا في كتابنا الإنسان الكبير عمل الذاكرة التي قد تلبي صاحبها وقد تخونه ... وترى الذي يحاول أن يتذكر أمرا نسيه ، تراه يبذل جهده ، وقد يفلح في تذكره وقد لا يفلح ، وقد يتذكر لا حقا ما أراد تذكره سابقا وذلك من دون استدعاء ، فالذاكرة إذن حاسة تخدم الإنسان ، وهي عنده مستودعة ، ولكنها ليست ملكه بل ملك الله خالقها ومسيرها.
وعلى هذا فالفتية الذين أووا إلى الكهف هم كالحواس التي نصفها بأنها إلهية ، حيث ينشر