بالشمس من المشرق فليأت النمروذ بها من المغرب ، والطلب معجز إذ لا طاقة للإنسان على الوصول إلى أبعد مما تطاله يداه وقواه ، والحياة بحد ذاتها إعجاز إذ بكونه سبحانه الحي يعني أنه واهب الحياة ، والإنسان لكونه مخلوقا لا يستطيع أن يكون خالقا مانحا الحياة ، فبين الواجب الوجود والممكن الوجود هناك صفة الحياة ، وهي التي يكون بها الأول أولا ، والواجب الوجود مكتفيا بذاته ، متجوهرا بذاته ، مبتدئا بذاته ، فهو الأول لكل أول ، ونظام الكون كله ظاهرا وباطنا يكشف عن وجود نظام واحد على جميع الأصعدة المادية والنفسية والروحية ، فبين الله والإنسان تقف الحياة بكل ما فيها ، وهي إما أن ترد إلى خالق ، أو أن تجعل هي الخالقة على حد زعم الكافرين.
٢٥٩ ـ (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٥٩))
[البقرة : ٢٥٩]
القرية إشارة إلى البدن وقواه ، وكونها خاوية على عروشها بروز الحقيقة لصاحب الكشف عند ما لا يرى من الإنسان بعد الكشف إلا ما يراه المرء من قرية كانت عامرة فهجرت فإذا هي خراب يباب ، والمكاشف بعد أن يرى فعل الله في العبد يرى العبد وقد جرد من قواه وإمكاناته.
وقصة الذي مر على القرية مثل للقلب الذي أحيي بالعلم ، بعد أن كان ميتا موت الجهل ، فرأى الله وآثاره. والمائة عام التي مرت على موت عزيز الذي مر على بيت المقدس راكبا على حمار فوجدها خرابا بعد أن دمرها بختنصر ، والمغزى وصول المراد إلى أفق الروح الفاعل ، وهو أفق خارج على الزمان والمكان لأن الأخيرين نسبيان متغيران ، وعلاقتهما ببعضهما بعضا وهمية ، إذ لا وجود حقيقيا إلا للروح الخالد. وعند ما رجع المكاشف من المحو الزماني إلى الصحو رأى بدنه روحا حيوانيا رمز إليه بالحمار ، وهو دابة طيعة ذلول تحمل الإنسان. والقصد كون البدن حامل القلب ، أو على الأصح حامل الروح ، وأنه آلة لهما. ويتبين بعد الكشف كون الروح الحيواني قوة إلهية سارية في المخلوقات ، وهي الفاعلة في العالم الطبيعي.
٢٦٠ ـ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٦٠))
[البقرة : ٢٦٠]
الطيور الأربعة إشارة إلى الذات والصفات والأسماء ثم الأصوات وكلها حجب لله وهي