شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٢٥٥))
[البقرة : ٢٥٥]
هذه هي آية الكرسي ، وهي الآية الجامعة في القرآن ، يتحقق لله فيها الاستواء على كرسي القيومية ، أي الوجود بنوعيه الظاهري والباطني ، فلا يعزب عنه علم شيء ، ولا يخرج على إرادته شيء له الملك في الدارين ، وهو القاهر الفعال لما يريد والمتحقق بالمكاشفة لا يرى في الوجود إلا العرش ظاهرا وفوقه المليك المقتدر المتصرف في قلوب عباده كيف يشاء ، والمحيط بهم خبرا كما تليق المعرفة.
وعدم الإحاطة بعلمه تعالى إلا بما شاء إشارة إلى التجلي الإلهي للقلب ، فهذا التجلي ضرب من رفع الحجب ، يبدأ بنزول الأمر الإلهي في ليلة القدر ، ويتوالى رفع الحجب حجابا حجابا حتى يرى الله ظاهرا في هذا الوجود مع بقاء ستارة الأسماء مرفوعة ومسدلة تشع سنا بنور الأسماء.
٢٥٦ ـ (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦))
[البقرة : ٢٥٦]
الدين الصفة والصراط ، فالمؤمن مؤمن بنور جعله الله في قلبه ، فإن لم يكن للقلب نور فلا إيمان له ، ولهذا قال سبحانه : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ ،) لأن الدين عطاء جواني إن فقد لا يمكن تعويضه ، والطاغوت كل ما يصد عن سبيل الله ، وإن لم يعرف الإنسان ربه ، وأين ربه ، فهو عبد الطاغوت.
٢٥٧ ـ (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٥٧))
[البقرة : ٢٥٧]
الظلمة البعد عن الله والحجاب القائم بين الإنسان وربه ، والنور انفجار أشعة الحق التي تهدي القلب سواء السبيل ، والسبيل ما يؤدي إلى الحق ومعرفته.
٢٥٨ ـ (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللهُ الْمُلْكَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قالَ إِبْراهِيمُ فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٢٥٨))
[البقرة : ٢٥٨]
المحاجة التي قامت بين إبراهيم عليهالسلام والنمرود وموضوعها المشيئة والقدرة وبقية الصفات ، فهل هي إلهية أم بشرية ، وتفيد الآية أن الأمارات الكونية لا حيلة للإنسان أمامها ، فلقد أحضر النمروذ مثلا رجلين متهمين فعفا عن أحدهما ، وقال إنه بعفوه عنه أحياه ، وحكم على الآخر بالموت ، وقال إنه بقتله إياه أماته ، فهو إذن يحيي ويميت ، فكان تحدي إبراهيم بأن الله يأتي