بصاحبه إلى الملك ، الذي هو سيطرة القلب على حواسه وقواه ، ومدخل هذا النصر انفتاح باب العلوم الإلهية المركوزة في القلب أصلا ، ولقد اشترط الحق تحقيق النصر بالمواجهة ، وجعل الجهاد ضريبة ولما كان الملك كله لله ، وما يقع في العالمين يقع بمشيئته وإرادته وعلمه كان ما يقع تحقيقا لقصد إلهي هو دفع الفساد عن الأرض ، فلحكمة أقام سبحانه بناء الوجود على قطبين هما الموجب والسالب ، أو الخير والشر.
٢٥٣ ـ (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (٢٥٣))
[البقرة : ٢٥٣]
تفضيل الرسل على بعضهم بعضا ظهور الله فيهم ، فمنهم من ظهر فيه بالذات ، ومنهم بالصفة ، ومنهم بالاسم ، ومنهم بالفعل ، ولقد أوتي عيسى عليهالسلام روح القدس ، أي خص بالتأييد النفثي ، فكان كلمة باطنها الروح الفعال ، وظاهرها الأنا ، وأيد الروح عيسى بالبينات كشفاء الأكمه وإحياء الموتى وإخبار الناس بما يأكلون في بيوتهم ويدخرون.
أما ما جاء في الآية عن المشيئة الإلهية التي لو شاءت ما اقتتل الذين جاؤوا من بعد المسيح ، وأنه هو سبحانه الذي أراد هذا القتال ، فهو لاستمرار تحقيق دفع الله الناس بعضهم ببعض ، أي دفع الأسماء بعضها ببعض تحقيقا للممارسة فالتعلم.
٢٥٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤))
[البقرة : ٢٥٤]
الدعوة إلى الإنفاق دعوة إلى بذل ذات اليد من العلوم التي حصلها القلب لرفع الأستار المضروبة دون الغيب ، وبالوصول إلى الهدف يعرف الإنسان نفسه ثم ربه ، فيعبده حق عبادته ، أما إذا استمر الإنسان في جهله من هو ، ومن ربه ، فإن النهاية يوم يتوقف فيه تبادل المعلومات بين العبد والرب ، فلا عبد في حال رفع الحجاب ولا رب ، بل هو واحد أحد ، ويكون الظالمون ، أي المحجوبون ، يومذاك ظالمين ، أي ظالمي أنفسهم بعد أن منعوها العبادة الحقيقة أي المعرفة الإلهية.
٢٥٥ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما