الاطمئنان إلى ما في هذه الصور من علوم ستأخذ سبيلها إلى الانتشار في عالم العيان ، والبقية مما ترك آل موسى وآل هارون ما انطبع في شاشة النفس الكلية من آثار افتضاض مكنونات الأسماء ، ولقد جاء في التفسير أن بقية آل موسى وآل هارون كانت نعليه وعصاه وعمامة هارون ، والنعلان رمز الفكر الشخصي ، والعصا القدرة التي تم بها إغناء هذا الفكر ، والعمامة ما صار إليه الفكر من غنى بعد انتشار علوم الفكر المطوية فيه ، وهذه البقية كلها تحملها ملائكة المعقولات التي زادت غنى إلى غناها القديم ، إذ المطوي في حكم العدم ، وما يكون بالقوة ، ولا يخرج بالفعل فوجوده وعدم وجوده سواء.
٢٤٩ ـ (فَلَمَّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَلَمَّا جاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٢٤٩))
[البقرة : ٢٤٩]
النهر الحد الفاصل بين عالم العيان وعالم الأعيان الثابتة ، والتحذير من الشرب منه التحذير من الأخذ من عالم الحس إلا القدر الضروري لتفتيق الأسماء ... ولهذا نبهت الأديان على ضرورة عدم مد العينين إلى زينة الحياة الدنيا والاكتفاء بما هو ضروري للعيش.
وجالوت رمز قوى العالم المادي الذي أشير إليه في حديث أشراط الساعة بأنه الأعور الدجال ، فللعالم الظاهري سلطان على الذين آمنوا به واستراحوا فيه ، ومن طغاه هذا العالم قتله ، والذين يؤمنون بالحواس دون الروح يخافون مواجهة طغيان الحواس وآثارها في حين أن المؤمنين لا يهابون هذه المواجهة.
٢٥٠ ـ (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَجُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٥٠))
[البقرة : ٢٥٠]
إفراغ الصبر وتثبيت الأقدام ما يسأله القلب الله تعالى عند المواجهة ، فإذا انفتح قمقم الشهوات انطلق منها المارد ذو البطش ، ولم يعد للقلب سلطان على هذا السلطان.
٢٥١ ، ٢٥٢ ـ (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٢٥١) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢٥٢))
[البقرة : ٢٥١ ، ٢٥٢]
في الآية إشارة إلى النصر الذي يحققه القلب المؤيد بالروح على الشهوات ، والذي يفضي