جنات الفردوس مقام من مقامات العارفين التي أعلاها جنة القرب والمقام المحمود ، والفردوس جنة الصفات أي معرفة سر الصفات والأضداد ، ومعرفة هذا السر هو جوهر سورة الكهف عامة ، وذكر قصة ذي القرنين خاصة.
١٠٩ ـ (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (١٠٩))
[الكهف : ١٠٩]
قلنا : إن كل ما في الوجود الظاهر من مظاهر هي كلمات الله ، إذ أصل المحسوس معقول ، ومصدر المعقول العقل الفعال المشع عن الله ... فعليه فالوجود الظاهر صورة الوجود الباطن ، ولما كانت صور الوجود الظاهر لا تعد ولا تحصى علمنا أن كلمات الله لا تعد وبالتالي فهي لا تنفد.
ولقوله سبحانه لا تنفد لطيفة ... ذلك أن الاسم أإذا تفاعل مع الاسم ب أنتج الاسم ج ، وقد يكون الاسم ج مطابقا للاسم أأو أنه لا يطابقه حسب طبيعة التفاعل نفسه ، فالنتيجة أن التفاعلات العلمية الأسمائية متطورة دائما ، وهذا ما أوضحه هيغل في فلسفته ، حيث جعل الصيرورة الجدلية غير ذات حدود ولا نهائية أيضا ... ولهذا قالت الفلاسفة الصوفية مثل ابن عربي والسهروردي : إن معلومات الله متطورة ومرتبطة بالزمان والمكان ، وهذا معنى قوله تعالى في موضع آخر : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرّحمن : ٢٩].
هذا على مستوى التفاعل الظاهري ... أما التفاعل الباطني فيتحقق بالمنامات والرؤى ، ولا يستخفن أحد بهذا الجانب من حياة الإنسان الذي يقضي ثلث عمره نائما ، ويرى منامات قد يعبرها ، وقد يجهلها كحال معظم الناس ، والمنامات صور ، وفيها تبرز ثنائية الذات ، بل يبرز الجمع في المفرد ، إذ يرى النائم في منامه أناسا أحياء وآخرين أمواتا ، ويجد الزمان في النوم مطويا ، ويجد أفلاكا غير ذات حصر ... فالنائم يطير ويعوم في الماء وإن كان يجهل السباحة ، ويحمل ويعاني آلام المخاض ويضع وإن كان ذكرا ، كما أنه ينفعل حسا بكل ما يراه ، فيلتذ بالطعام والشراب والمباضعة ويغضب ويرضى ويفرح ويحزن ويضحك ويعيش ويبكي ، ومن الملاحظ أن الطفل الرضيع يضحك ويعبس وهو نائم ، فالنائم في ملكوت الله يفعل به الله ما يشاء ويريه هذه الصور من الناس والمخلوقات والنباتات ويدخله ويخرجه ويقلبه ، حتى إذا آن الأوان أيقظ الله الإنسان من غفلته فعلمه تعبير الأحلام وتأويل الأحاديث ، وصار الإنسان الجاهل عارفا بالله.
١١٠ ـ (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً (١١٠))
[الكهف : ١١٠]