المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة) ، ولقد سأل أبو الدرداء رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن قوله تعالى : (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٦٣) لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ،) فسأله عن البشرى في الحياة الدنيا فقال : (ما سألني عنها غيرك منذ أنزلت ، وهي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له) ، وقال الفارابي : اللهم أر نفسي صور ، الغيوب الصالحة في منامها وبدلها من الأضغاث برؤى الخيرات والبشرى الصادقة في أحلامها.
أما كشف اليقظة فهو ما سماه ابن عربي : الخيال المنفصل وعرفه بقوله الاستشراف على حضرة الخيال الصحيح الذي لا يدخله ريب ما هو الخيال الذي هو قوة في الإنسان في مقدم دماغه بل هو خيال كجبريل في صورة دحية ، وهو حضرة مستقلة وجودية صحيحة ذات صور جسدية تلبسها المعاني والأرواح.
والحق يري المعتكف المكاشف بعين الخيال صورا من المحسوسات ذات معان باطنة من المعقولات ، ويحرك الحق هذه الصور فيدخلها في بعضها بعضا ويخرجها ويجعلها تتكلم ، فيفعل كما يفعل المخرج بالممثلين فيأمرهم ويوجههم ، وتكون النتيجة كشف النقاب عن العلم الإلهي الذي هو علم الغيب ، وهذا الكشف عظيم ، والقول فيه ثقيل ، ولهذا جاء في الآية على لسان مريم قولها : (يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا ،) والسبب أن الكثرة في هذا الكشف تنكشف بأن اللسان الناطق واحد بألسنة الناس ، قال ابن عربي على لسان الحق : (فتحت بيني وبينه بابا في ينظر إلي منه وأنظر إليه منه والخلق لا يشعرون ، فأحدثه على ألسنتهم وهم لا يعرفون ، ويأخذ مني على بصيرة وهم لا يعلمون ، فيحسبون أنه يكلمهم وما يكلم سواي ويظنون أنه يجيبهم وما يجيب إلاي).
وهذه المكاشفة هي التي ترى المكاشف رأي البصيرة كيف يكون الناس أمواتا وهم أحياء يرزقون ، ساكنين وهم يتحركون ، أشباحا وهم يملؤون الدنيا ظهورا.
٢٤ ـ (فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (٢٤))
[مريم : ٢٤]
جواب صوت الله جبريل بألا تخاف مريم النفس ، لأنه وإن ذابت الكثرة في الوحدة ، وصارت ألسنة الخلق لسان الحق ، وصورهم صور معقولاته ، فإن الحصاد عظيم وهو تفجر العلم الإلهي الذي وصف بالسري ، قال ابن عربي إذا أخذ العارف في مشهد من مشاهد الربوبية حصل في مقدار يومها في تلك اللحظة من العلوم الإلهية ما يحصله غيره في عالم الحس مع الاجتهاد والتهيؤ من العلوم الإلهية في ألف سنة من هذه السنين المعلومة.