خرج عن الله إلا هو ، وما ثمة خروج ولا دخول ، وما ثمة إلا كما قال سبحانه في سورة الإخلاص : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤) ،) وكيف يكون المسيح ثالث ثلاثة ، والأعداد منبثقة من الواحد ، وقائمة بالواحد قيام البناء على أسسه ، ولا بناء من غير أساس ... وكيف تكون البيضة بيضة إن نزع منها صفارها وبياضها ، ولم يبق إلا قشرتها إن قيل إن القشرة ثالث ثلاثة ، وما البيضة إن نظر إلى قشرتها فقط؟
٣٨ ـ (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا لكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٨))
[مريم : ٣٨]
المشهد كشفي خاص بالأنبياء والأولياء العارفين ، وأشير إليه باليوم ، واليوم هنا هو اليوم الوجودي الإلهي الأزلي الخارج عن نطاق الزمان والمكان ، فهذا الوجود الحق هو السميع البصير ، والسامعون والمبصرون من الموجودات هم مثل النظارات للوجه الحق ، فهم له أدوات ، ولهذا وصفوا بصيغة المبالغة أي ما أسمعهم وما أبصرهم في يوم الجمع ، أي في اليوم الوجودي الحي الذي يكون الناس فيه ناظرين وسامعين بالحق وللحق.
٣٩ ـ (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٩))
[مريم : ٣٩]
في الحقيقة الأمر مقضي علم الناس هذا أم جهلوا ، وكيف لا يكون الأمر مقضيا وهو سبحانه لم يخرج منه سواه ، وما خرج منه دائم الخروج ، وهو خروج علمي لإظهار نفسه ، فظهوره به له ...
٤٠ ـ (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٤٠)) [مريم : ٤٠]
الوراثة نتيجة كون الله حقيقة كل شيء حتما ، فالله الوارث ، ولا تكون الوراثة يوم يقضي الأمر في ميقات معلوم فهذا غير جائز في حقه تعالى ، إذ مادام الوجود بيضة نورانية كما سبق القول فالنتيجة أنه هو البيضة والبيضة هو ، فهو البائع والشاري ، سبحانه يطرح إمكاناته من الصفات والتعريفات والخصائص ، فيبذرها في أرض الإمكان ، فينفلق حب المعقول ، وينمو النبات ، ويعقد الزهر ، ثم يثمر ، حتى إذا حان القطاف فقطف سبحانه ما زرعه ، ويكون هو الوارث الوحيد ، وإلا فكيف يفسر أن يولد الإنسان طفلا ، ثم يتعلم حتى يصير عالما ، ثم يرد إلى أرذل العمر حتى لا يعلم من بعد علم شيئا؟ وإذا ما كان علمه ذخرا للإنسانية وحصادا ووفرا في حصالة ، وإذا حصالة الإنسانية نتاج الجهد الإلهي الذي كان كنزا مخفيا كعروق الذهب والماس المدفونة في الأرض ثم تستخرج وتصفى وتصاغ جواهر ودررا ونفائس زينة للناظرين ... كذلك الله سبحانه كان كنزا مدفونا في ذاته ، ثم أخرج كنزه يأيدي خلقه ، حتى