٣٣ ، ٣٥ ـ (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣) ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (٣٤) ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٣٥))
[مريم : ٣٣ ، ٣٥]
قلنا : ممثل الاسم الحي مثل يحيى ، وهو ممثل الروح الكلي أيضا المسمى في علوم الصوفية الإنسان الكامل ، والذي وصفه ابن عربي بأنه الروح المدبر للكون ، فالحديث إذن عن الروح ، والروح سر من أسرار الله ، وهو فيض عن الله وإشعاع ، وهو وسيط بين الله والعالم ، وهو المفوض بالخلق والأمر نيابة عن الحق وواسطة ، وكنا بينا كيف رفض ابن عربي أن يكون في الوجود إلا الله وأنه هو الوجود الحق ، وأن الكثرة وهم ، وهي قائمة بالحق ، فالحق لم يلد لأنه لا يوجد من يلده ، وكيف يلد الوجود الحق وجودا آخر؟ ولهذا سمت الصوفية الوجود العياني الوجود النسبي والإضافي ، أي أن له بالوجود الحق تعلقا واستنادا ، قال جلال الدين الرومي متسائلا : إنه ليس موجودا أي الإنسان ، وإنه موجود ، فكيف يكون هذا؟ إن هذا الأمر خارج عن تخيل العقل.
٣٦ ـ (وَإِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٣٦))
[مريم : ٣٦]
في قوله : (رَبِّي وَرَبُّكُمْ ،) الإشارة إلى الربوبية التي هي أساس وأرض كل حي ، فالربوبية تقتضي المربوبية ، ولهذا وجد المربوبون نتيجة لوجود الربوبية ، ولو لا الربوبية ما كان ليوجد المربوبون ، وهذا الجمع للكثرة ، هو الذي أشير إليه في الآية بأنه : (رَبِّي وَرَبُّكُمْ ،) فلا رب في الوجود سوى الرب الواحد ، وبين الرب والمربوب علاقة سميت في الكتاب الصراط المستقيم ، والصراط الطريق ، فالعلاقة هي الطريق أو الحبل الذي إليه أشار سبحانه بقوله في موضع آخر : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود : ٥٦]. فالصراط تعلق المربوب بالرب ، وتعلق الدواب بخالق الدواب ، وإلى الدواب أشير في موضع آخر بقوله سبحانه : (أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ) [النّمل : ٨٢] ، فهذه الدابة جامعة ، وصاحب الدابة الروح ، وصاحب الروح الحق.
٣٧ ـ (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٣٧))
[مريم : ٣٧]
اختلاف الأحزاب اختلاف الاعتقاد في المسيح ، فهل هو الله ، أو ابن الله ، أو ثالث ثلاثة؟ ويقول ابن عربي في تفسيره : إنه لا موسى موجودا ولا عيسى ولا محمد ، ويقصد ابن عربي الوجود الحق الذي تحدثنا عنه آنفا ، فالوجود كله بيضة ، الحق صفارها ، والروح بياضها ، والعالم العياني قشرتها ، فكيف يكون المسيح الله وهو صوته ولسانه ، وكيف يكون ابن الله وما