٥٤ ـ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (٥٤))
[مريم : ٥٤]
إسماعيل إشارة إلى أسماء إله التوحيد (عيل) الذي عبد في زمن إبراهيم وقبله في بلاد ما بين النهرين وما حولها ، ومنها هاجر إبراهيم إلى فلسطين فالحجاز ، وهذه الأسماء هي التي مثلها الإنسان الكامل المتعين في بشر كما تعينت الحقيقة المحمدية في شخصية النبي صلىاللهعليهوسلم لما سويت بشرا ولهذا الوصف نكتة ... ذلك أن الاسم هو مثل السجل المطوي متى فتح نشر ما فيه ، وما فيه هو خروج ما هو بالقوة إلى ما هو بالفعل ، وعليه فلا يكون الاسم إلا صادقا أولا وصادق الوعد ثانيا ، فإذا صور الله الإنسان وهو في بطن أمه في صورة العفة فيكون ذلك الإنسان بعد ذلك عفيفا طوعا أو كرها ، وهذه هي حقيقة القضاء والقدر التي قضت بأن يمثل الناس حقائق الأعيان الثابتة من الأسماء الإلهية.
٥٥ ـ (وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (٥٥))
[مريم : ٥٥]
أهل إسماعيل إشارة إلى حواسه وقواه ، فإسماعيل هو مثل القلب الذي استمد قواه من الروح فأمر دماغه وما في دماغه من قوى بأن تعمل كذا وكذا ، وما أمر به إسماعيل دماغه الصلاة ، أي أن يكون الإنسان جسما وقلبا ذا صلة بربه لا تنحل عراها ، وما أمر به أيضا الزكاة ، أي أن يحصل المعقولات بعد تجريدها لتقديمها زكاة إلى الله الذي سيجعل هذه المعقولات جواهر تزين تاج الألوهية العظيم ، وكون إسماعيل مرضيا يعني أنه من المصطفين بالعناية المسبقة ، فإسماعيل هو من السعداء وهو في بطن أمه.
٥٦ ، ٥٧ ـ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٥٦) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا (٥٧))
[مريم : ٥٦ ، ٥٧]
قيل : إن إدريس هو مثل إلياس الوارد ذكره في الكتاب ، والذي يمثل الإنسان الذي تحرر من سجن الناسوت ، وعرج بروحه إلى رفيع اللاهوت ليسبح في ذلك الملكوت ، فإلياس وإدريس وغيرهما من العارجين من الأنبياء الموحدين يمثلون الإنسان الذي حقق مقام التأله ، فصار جسمه هيكلا يحوي اللاهوت العظيم ، قال عبد الكريم الجيلي : إذا طمس النور العبدي ، وفني الروح الخلقي ، أقام الحق سبحانه في الهيكل العبدي ، من غير حلول ، من ذاته لطيفة غير منفصلة عنه ، ولا متصلة بالعبد ، عوضا عما يسلبه منه ، لأن تجليه على عباده من باب الفضل والجود ، وتلك اللطيفة هي المسماة روح القدس ، فإذا أقام الحق لطيفة من ذاته عوضا عن العبد ، وكان التجلي على تلك اللطيفة ، فما تجلى إلا على نفسه ، لكنا نسمي تلك اللطيفة الإلهية عبدا باعتبار أنها عوض عن العبد ، وإلا فلا عبد ولا رب ، إذ بانتفاء المربوب