الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ (٧٣) وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ (٧٤) وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧))
[الأنبياء : ٦٩ ، ٧٧]
جاهد إبراهيم عليهالسلام قومه وتماثيل العالم الظاهري حتى أتاه اليقين ، وكان جهاده فطرة فطره الله عليها حيث سبق أن قلنا إن الجهاد فريضة بل ضريبة من دونها لا يمكن فتق المعقولات وإخراج ما فيها من ضنائن ، والمجاهد حين يجاهد يكون قد حقق ما قاله العارف بالله أرسلان الدمشقي الإيمان خروجك عنهم ، ومع هذا فالمجاهد واقف مع أناه ، ومن دون هذا الوقوف لا يمكنه أن يجاهد ، فالمجاهد يقول أنا جاهدت ، أنا بذلت ، أنا ضحيت ، وهذا أمر بدهي مادام المجاهد مدعوا للجهاد من قبل الحق ، فالمجاهد اتخذ موقفا من العالم الخارجي وشطره شطرين ، أي أنه عرف بالجهاد من يجاهد ، وميز الخير من الشر ، والخبيث من الطيب ، والمؤمن من المنافق ، فكان هو مثال الخير والعدل والإيمان وهذا المقام هو الذي أشار إليه سبحانه قائلا : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ١٤]. أما اليقين فهو كما عرفه أرسلان الدمشقي قائلا : اليقين خروجك عنك ، ففي هذا المقام يتحول المجاهد من مجاهدته العالم الخارجي ونفسه الأمارة إلى قلبه الذي ضاء فيه نور اليقين في فجر اليقين ، وهذا ما أشار إليه سبحانه في سورة النصر فقال : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١)) وقال الإمام الغزالي : لما أشرقت شمس الوصول على مصابيح الأصول تبين الحق لأرباب البصائر وأن كل إلى ما طبع عليه راجع وصائر.
وبعد ، فما اليقين؟ إنه التحول من الفكر ، أي العقل العادي ، إلى القلب أي الشعور والوجدان حيث الله حاضر هناك يدعو عبده إليه ، وعند ما يدخل العبد هذا المحراب معتكفا ، كما فعل زكريا وكما فعلت مريم عليهالسلام ، فإن القلب ينار ، ونوره أصيل قديم عليم يعلم الإنسان ما لا يعلم.
وما الذي يتعلمه الإنسان من الوجدان؟ أولا يعلم أن لفكره فكرا آخر هو جوهر الفكر كما قال جلال الدين الرومي ... أي أنه يكشف وجود الروح فيه ، القائم بالأمر وبفعل كن ، وما يتعلمه أيضا أن هذا الروح هو المطاع في الوجودين الظاهري والباطني ، وذلك أن يطلع المكاشف كشفا وذوقا وسماعا عن طريق التكليم الذاتي أن لله الخير والشر ، وأنه ما خلق شيئا عبثا ، وأنه ما خلق الإيمان والكفر سدى ، وأنه ما جعل النفس الأمارة أمارة بلا جدوى. وأنه