٥٧ ، ٦٨ ـ (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (٥٧) فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (٥٨) قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٥٩) قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ (٦٠) قالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (٦١) قالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إِبْراهِيمُ (٦٢) قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهِمْ فَقالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ (٦٥) قالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ (٦٦) أُفٍّ لَكُمْ وَلِما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٧) قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ (٦٨))
[الأنبياء : ٥٧ ، ٦٨]
تحطيم إبراهيم عليهالسلام للأصنام هو نتيجة إيمانه التوحيدي الذي أراه كشفا أن الله حقيقة هذه الأصنام والتماثيل ، وإلا فما الصنم حتى يعبد وهو حجر منحوت؟ ولقد ترك إبراهيم كبير التماثيل سليما ، وعلق الفأس التي حطم بها التماثيل الأخرى بعنقه ، وكانت وجهة نظره قوله : (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ...) والمعنى أنك إن تفكرت في حقيقة الصورة ، حتى صورتك أنت ، وجدت نفسك في متاهة ، وعلى حافة بئر مثل البئر التي ألقى فيها يوسف ، وأمام كهف مثل الكهف الذي أوى إليه الفتية المؤمنون ، والمغزى أن الإنسان يجهل نفسه ، وهو أجهل المخلوقات بنفسه ، فما نفس الإنسان وما حقيقتها ، وكيف تقول أنا ، وأنت تجهل من أنت؟ وكيف يقول الماديون أنا ، والوعي عندهم ليس إلا نتيجة تصادم جزئيات الخلايا العصبية في الدماغ فينتج الوعي؟
ولهذا لما سأل قوم إبراهيم من حطم آلهتهم قال : إنه كبيرهم ، ولما رجعوا إلى أنفسهم ، وفكروا في أنفسهم وفي ماهيتهم ، لم يستطيعوا أن يقولوا إن النفس فاعلة ، مثلما أن الماديين لا يؤمنون هم أنفسهم بوجود النفس مع أن في قولهم أنا وأنا دليلا على وجود النفس تجاهلوه.
والنتيجة أن التفكير في النفس وحقيقتها وماهيتها يوصل إلى رب النفس الذي هو حقيقتها وله ماهيتها أي صفتها ... هذا إذا كان المفكر من أصحاب التوفيق والهداية ، وإلا لبقي الإنسان كافرا بوجود الله محجوبا بالنفس كما حدث لقوم إبراهيم الذين لم تكتب لهم الهداية فظلوا كافرين ، وكان ردهم على إبراهيم أن حرقوه.
٦٩ ، ٧٧ ـ (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ (٦٩) وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ (٧٠) وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ (٧١) وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ (٧٢) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ