الصوفي أن المعقولات مشعة عن الحق كما تشع أشعة الشمس عن الشمس ، فما دامت الشمس مشرقة فأشعتها صادرة عنها ، فإذا غربت غربت أشعتها معها.
١٠١ ، ١٠٣ ـ (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ (١٠٢) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (١٠٣))
[الأنبياء : ١٠١ ، ١٠٣]
لا ينجو من البعد إلا أصحاب القرب الذين سبقت لهم من الله الحسنى ، والمعنى يذكر بقبضة أهل الجنة وقبضة أهل النار ، فلا يقرب من الله إلا المؤهلون أزلا ليكونوا من أصحاب القرب ، وإلا فداء العجب القاتل يرصد كل من يتشبث بمعقول حتى وإن كان جميلا ثم يهلكه ، قال جلال الدين الرومي : الإحسان والألم والسرور كلها حادثة ، وكل المحدثات تموت ، والحق وارثها.
والفزع الأكبر يوم الحشر الأكبر حيث يكون الناس في القبضة ، وفعل يكون يفيد الدوام والاستمرار والحضور ، أي أن الناس محشورون في القبضة منذ ساعة ميلادهم ، والفزع انكشاف الأمر لصاحب الكشف الذي يرى الناس دودا على عود في بحر الحقيقة صاحبة مراكب الأسماء ، فيخاف ويفزع ، ثم ينزل الله سكينته في قلبه فإذا الحق موجود في قلب العبد المؤمن اللين كما جاء في الحديث القدسي. قال سقراط : عند ما فتشت عن علة الحياة لقيت الموت ، وعند ما وجدت الموت عرفت حينئذ كيف ينبغي أن أعيش.
١٠٤ ـ (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ (١٠٤))
[الأنبياء : ١٠٤]
اليوم المذكور اليوم الأزلي الحقي الدائم وهو اليوم الإلهي كما ذكرنا سابقا ، ففي هذا اليوم يطوي الله السماء كطي السجل للكتب ، وما دام اليوم دائما مفتوحا يضم الماضي والحاضر والمستقبل فالمعنى أن السماء مطوية في القبضة على أي حال ، وهذا بدهي ما دامت السماء عالم المعقولات ومحل للفعل الذي سميناه إشعاعا ، وبين بدء الفعل وإعادته ليس ثمة زمن ، إذ الزمان جزء من الحضرة الوجودية وهو صفته تعالى وفعله ، ولهذا ورد فعل الطي الذي يفيد هيمنته تعالى على كل شيء ، فالله هو المبدئ المعيد عن طريق بث القوى في المعقولات ، فإذا هي خواطر تملأ مساحة الفكر ، وهذا ما أشار إليه سبحانه في الآية السابقة قائلا : (وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).