١٠٥ ، ١٠٦ ـ (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥) إِنَّ فِي هذا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (١٠٦))
[الأنبياء : ١٠٥ ، ١٠٦]
الزبور إشارة إلى اللوح المحفوظ حيث ذكر فيه أن ثمة موحدين مثبتون في هذا اللوح هم العباد الصالحون ، لم ينفكوا عن ذكر الله غمضة عين ... كانوا ذرا في عالم الذر ، فما كان عالم الإمكان يحدهم ولا يحصرهم ، وهم أنفسهم ما كانوا إلا جواهر من وعي خالص ، واللغة تقصر عن وصف هيئة مجردة حين يكونون بعد قوى أو معقولات مطوية ، ولكنهم في حقيقتهم أنوار تشع عن النور الأزلي منعمة بقربه تأخذ عنه وتستمد منه.
وهؤلاء حين يرسلون إلى عالم الإمكان يتعينون أي يتشخصون ، ولهذا قال ابن عربي : الإنسان الكامل نوع ، والأنبياء والأولياء أفراد هذا النوع ، وتعين هؤلاء يكون لتفجير الطاقة المعبأة لغرض التفجير ، يقول لا يبنتز : النفس تمتلك منذ الأزل مبادئ المفاهيم التي لا توقظها إلا الأشياء الخارجية ، ولهذا قلنا إن هبوط آدم عالم الأسماء المعقولات ضروري لفتق هذه المعقولات وقال جلال الدين الرومي : لقد بقيت آلاف السنين أحلق هنا وهناك بدون مشيئة مثل ذرات الهواء ، فإن كنت نسيت هذا الزمن وتلك الحال فإن رحلتي ساعة النوم تعود بها إلى ذاكرتي ، ففي ساعة النوم أنطلق من هذا الصليب ذي الشعب الأربع ، وأقفز من هذا القيد إلى سهوب الروح الفساح.
١٠٧ ـ (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧))
[الأنبياء : ١٠٧]
الإرسال هنا بمعنى الصدور ، وقال صلىاللهعليهوسلم لجابر : (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) ، ولهذا تقول الصوفية : إن للنبي صلىاللهعليهوسلم حقيقتين معناه ومظهره ، ومعناه هو ذلك النور القديم المشع عن الحق أزلا ، ولقد وصف هذا النور بالرحمة ، ذلك لأن من النور يشع كل معقول كما سبق أن قلنا ، ولهذا كان كل تعلم وفهم وإدراك ووعي للجمال الحق المطلق مع بقية الصفات هو من فضل هذا النور وفعله.
١٠٨ ، ١٠٩ ـ (قُلْ إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (١٠٩))
[الأنبياء : ١٠٨ ، ١٠٩]
القول موجه إلى الناس أجمعين باعتبار نور النبي الحقيقة الإنسانية الجامعة ، ولأن الأمر جمع في جمع وانطلاق من وحدة إلى كثرة ، وعودة من كثرة إلى وحدة فليس وراء هذه العملية الوجودية سوى الله الذي هو إله واحد ، ولقوله إله لطيفة ، إذ أن الكلمة تفيد معنى الألوهية