٣٨ ، ٣٩ ـ (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩))
[آل عمران : ٣٨ ، ٣٩]
لما رأى زكريا الفكر بشائر هذا العلم الوهبي دعا ربه أن يكثره منه ، فنادته ملائكة المعقولات المرتسمة على شاشة مخيلته أن الله يبشره بولادة معنوية علمية جديدة هي يحيى ، ويحيى من الحياة ، فيحيى لم يخلق من عدم ، ولم يدخل في نظاق فعل كن ، بل هو روح خالدة قديمة مشعة عن خالقها أزلا وأبدا ، ووصف يحيى بأنه سيد ، أي رئيس أي معلم لا يدخل في مدرسة التعلم من المعلومات الخارجية ، كما وصف بأنه حصور لا يأتي النساء اللواتي هن من القوابل الممكنات من عالم الإمكان ، أي لا حاجة للروح في العالم الظاهري ، لأن النساء من الانفعال ، وكل ما في العالم ممكن منفعل ، والروح فاعل ، والعالم ظهوره.
٤٠ ـ (قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠))
[آل عمران : ٤٠]
سؤال زكريا ربه أنى يكون له غلام سؤال الأنا الجزئية الخالق كيف تولد منها الأنا الكلية وهي جزئية مخلوقة خاضعة لحكم الزمان ، والمكان ، وهذا ما أشارت إليه الآية بالقول وقد مسني الكبر ، أي أنى للفكر الذي حصل ما حصل من العلوم عن طريق النظر في المعقولات المستخلصة من محسوسات عالم العيان أن يتابع تحصيله لعلوم هي من نوع آخر تخرج عن نطاق الزمان والمكان ، ورمزت الآية إلى هذا العجز عن التحصيل العلمي بالقول : (وامرأتي عاقر) ، أي النفس الحيوانية التي هي أصل العالم الظاهري وشاشته ... وكان جواب الحق أنه يفعل ما يشاء ، وأنه إذا شاء أن يعلم عبده علم الغيب فعل.
٤١ ـ (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٤١))
[آل عمران : ٤١]
الأيام الثلاثة التي أمر الفكر بألا يكلم الناس فيها إلا رمزا الإشارة إلى علم الحقيقة نفسه الذي هو علم ثقيل ، وصفه سبحانه بأنه قول ثقيل ، وهذا العلم مصون محفوظ ، لا يجوز إظهاره لكل وارد ، وإظهاره يجب أن يكون عن طريق الإشارة والرمز ، إذ أن كتاب الله رمز وإشارة كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (لكل آية من آيات القرآن ظهر وبطن ، ولكل حرف حد ، ولكل حد مطلع) ، وقال القشيري : ظهره ما يفهم من ألفاظه ويسبق الذهن إليه ، وبطنه المفهومات اللازمة للمفهوم الأول ، وحده ما ينتهي عنده غاية إدراك الفهوم والنقول ، ومطلعه ما يفهم منه