على سبيل الكشف والشهود من الإشارات الإلهية ، فالمفهوم الأول ، الذي هو الظهر ، للعوام والخواص ، والمفهومات اللازمة للمفهوم الأول الذي هو البطن ، للخواص فقط ، والحد للكاملين منهم ، والمطلع لخلاصة أخص الخواص كأكابر الأولياء ، وكذلك الحكم في الأحاديث القدسية والكلمات النبوية له ظهر وبطن وحد ومطلع.
فالحقيقة خصت بأهلها إذا ، وفي الأمثال لا تجعلوا الحكمة في غير أهلها فتظلموها ، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
٤٢ ، ٤٣ ـ (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ (٤٢) يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤٣))
[آل عمران : ٤٢ ، ٤٣]
الخطاب موجه إلى النفس وأمرها بالسجود والركوع ، وثمة لطيفة في الآية ، وهي أن الحق أمر مريم بأن تسجد ثم تركع ، ومعلوم في الصلاة أن الركوع يسبق السجود ، فالأمر هنا صدر من الجمع إلى التفصيل ، ففي الجمع كانت النفس الجزئية في أحضان النفس الكلية التي هي وجه الله وصورته ، فالنفس الجزئية بهذا المقام ساجدة لله ، أي مسلمة حقيقتها له ، مثلها مثل أمها النفس الكلية ، ويكون هذا قبل التعين ، أي قبل السيرورة الزمانية ، فإذا حدث التعين ، وبدأ سير الزمن ، كان على النفس أن تركع ، أي أن تتبع صفتها واسمها ، أي طبيعة استعدادها ، فهي بهذا داخلة في مجال الجبروت حيث عالم النسب لا عالم الذات.
٤٤ ـ (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (٤٤))
[آل عمران : ٤٤]
الأقلام الأسماء المشعة عن الحق ، وهي من الأنوار الشريفة المساعدة ، فكل خاطر صادر إلى النفس هو من فعل قلم يخط في رق النفس خاطرها ، ولهذا قلنا إن النفس مدرجة في الجبروت ، والاختصام بين الأقلام اختصام بين الأسماء التي قلنا إن صفتها التضاد والانشطار والازدواج.
٤٥ ـ (إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (٤٥))
[آل عمران : ٤٥]
بعد تعيين النفس الجزئية وإتمام تحصيل العلم من عالم العيان عن طريق التجريد تأتي البشرى من عالم الذات حيث يقول الله موحيا إلى النفس إنه يبشرها بكلمة منه ، والكلمة العقل النوراني ، أي نور كالنور الذي رآه النبي صلىاللهعليهوسلم فقال إنه رأى ربه ، وقلنا الرب المربي ، فالخطة كلها تهدف إلى إتمام التعليم النفسي عن طريق التكليم الذاتي ، ولقد مثل هذا الآية بالولادة ،