بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٥))
[آل عمران : ٧٤ ، ٧٥]
القنطار ما تعطيه المعقولات من ذاتها حين النظر إلى المحسوسات فالفلاسفة تقول : إن العقل الفعال هو الذي يجعل العقل الهيولاني بالقوة عقلا بالفعل ، وينطبق هذا على المعقولات التي تكون بالقوة في النفس ، ثم تصير بالفعل بفعل العقل الفعال أيضا ، وإلى هذا أشارت الآية بالأمانة والقنطار ، فالمؤمن مسلم بالفطرة بدور الله في الفعل وفضله ، أما المنافق فلا يرد ما حصله من المعقولات إلا إلى جهده هو وفعله ، فالمنافق والملحد لا يؤمنان بوجود عقل إلهي فعال هو المحرك لسماء الروح وأرض المادة.
٧٦ ، ٧٧ ـ (بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَاتَّقى فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧٦) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٧))
[آل عمران : ٧٦ ، ٧٧]
العهد ما أخذ الله على عباده من العهود والمواثيق بأن لا يعبدوا غيره مذ كانوا ذرا في ظهور الآباء بل وفي عالم الغيب أيضا ، والإشارة إلى الفطرة الإنسانية التي هي التسليم وكونها محلا للفعل ، وعند تحول القلب من فطرته إلى النظر إلى العالم الخارجي واعتماد الأنا والمحسوسات فقط كقواعد للعلم الإنساني فعندئذ تسدل الحجب ، ولا يكون لهؤلاء نصيب من الآخرة التي هي علوم الروح ، كما يحرم هؤلاء من الوصول إلى مرتبة التكليم الإلهي التي يبلغ الإنسان فيها أفق الكمال ، ويصبح حكيما إلهيا.
٧٨ ـ (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٧٨))
[آل عمران : ٧٨]
قوله : (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ) يعني الإتيان بحقائق مستمدة من التفكير التجريدي باعتبار هذه الحقائق هي أسس الوجود الصرفة ، وهذه الحقائق ، وإن عبرت عن بعض الأسس ، إلا أنها ليست جامعة ، لأنها ليست مستمدة من عيون الإلهام الإلهي ، كما سمي سبحانه تلك العيون السلسبيل والكافور وأنهار العسل والخمر واللبن.
٧٩ ـ (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩))
[آل عمران : ٧٩]