عدم الاعتراف بالحقيقة الجامعة هو الخروج على الإسلام الذي هو التسليم التوحيدي ، والحكيم هو الواصل إلى عين الجمع والموحى إليه من تلك العين ، والفاني ذاتا وصفة وفعلا بعد انكشاف حقائق العين ، فيفنى الإنسان ، ويبقى الله ظاهرا بالإنسان ، يوحي إليه وبه وخلاله وعلى لسانه ، والنتيجة أن الحكيم يعلن انخلاعه مما يلبس من صفات على كيان الذات ، ويدعو الناس إلى عبادة الله وحده.
٨٠ ـ (وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (٨٠))
[آل عمران : ٨٠]
الملائكة المعقولات ، والنبيون مظاهر الصفات ، وكل إنسان مظهر صفة خيرا كانت أم شرا ، جمالية أو جلالية ، كقولك المؤمن والحليم والمنتقم والضار ، فمن هذا المنظور فالإنسان مربوب لتلك الأرباب ، فإذا لم يرد الناظر المربوب إلى الرب الحقيقي فهو كافر ، نظر إلى الأسباب ، وغفل عن مسبب الأسباب.
٨١ ، ٨٢ ـ (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٨٢))
[آل عمران : ٨١ ، ٨٢]
الرسول هنا الروح الكلي وممثله ، وهو مظهر جبريل عليهالسلام ، والإيمان به حق ، لأن النبيين لا يأخذون علومهم إلا من مشكاة هذا الروح ، وصلتهم بالروح في كل حركاتهم وسكناتهم ، والإيمان بالروح الجامع نتيجة بالنسبة إلى الأنبياء الذين يتبعون الوحي ، والوحي يقودهم إلى العين.
والصوفية أبانوا أن للنبي عليهالسلام حقيقته ومظهره ، وحقيقته هي الروح الجامع ، وسموها الحقيقة المحمدية ، ومظهره تعينه في الزمان والمكان لأداء الرسالة وإتمام النعمة الإلهية.
٨٣ ـ (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٨٣))
[آل عمران : ٨٣]
دين الله التوحيد ، ولله أسلم من في سماء الروح وأرض المادة طوعا وكرها ، والإسلام طوعا رجوع الموصوف إلى الصفة ، ورجوع الصفة إلى العين الجامعة ، فالرجوع طبيعي مثل جري الماء على سطح الأرض ، ولهذا وصف بالطوعية ، والإسلام كرها هو ضرورة رد الموصوف إلى الصفة التي هي أمه وإشعاعه ، وهو المشع عنها فلا انفصام بين العلة والمعلول ، والمعلول له بعلته ارتباط غائي معروف لدى علماء الطبيعة حتى إن كانوا ملحدين ،