وكانت هذه المسألة إحدى المسائل التي كانت سبب نشأة مذهب المعتزلة في الإسلام ، فالمعتزلة ألزموا الله بأن يحقق وعده ، وينفذ وعيده لأن صفته العدل ، ورد عليهم علماء السنة وعلى رأسهم الإمام الغزالي بالقول إن الله لا يتوجب عليه شيء ، إن شاء غفر لكل الكافرين ، وعذب كل المؤمنين.
١٢٩ ـ (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩))
[آل عمران : ١٢٩]
متابعة الحديث عن المغفرة والعذاب إلى أن ختمت الآية بالقول : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ،) والمغفرة والرحمة شعار الصوفية رفعوا رايته فوق قاعدة من الحديث القدسي القائل : (ورحمتي سبقت غضبي) ، فعمت المغفرة ، وحد الغضب ، وقيل إنه أبطل ، فهو سبحانه غافر الذنب كله ، لأن أصل الوجود مشيئة كونية جامعة خلقت الخير والشر لحكمة وهي إظهار الحقيقة الإلهية والدين الجامع.
١٣٠ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠))
[آل عمران : ١٣٠]
الربا اشتراط أن يأخذ المودع ماله نصيبا من المال دون التقيد بعامل الربح أو الخسارة ، والإشارة إلى المال المودع لدى الإنسان وهو العلم الإلهي الموجود بالقوة في النفس الكلية ، والربا المأخوذ عن هذا المال فهو أخذك الخير من هذا المال ، أي كل ما يلهمك الحق من علوم وأخلاق دون أن تقبل أنت الخسارة إن حصلت ، وهي هنا إشارة إلى رد الحق إلى صاحب الحق ، فمن أوتي الخير الإلهي ، ولم يرض بشرط خسارته نفسه عند مطالبته بالعارية هو مراب عند الله ولهذا ختمت الآية قائلة : (وَاتَّقُوا اللهَ) أي اتقوا الله في نفوسكم وأنيتكم لكي تفلحوا في الوصول إلى اليقين وهو الكشف والمعرفة.
١٣١ ، ١٣٣ ـ (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ (١٣١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٣٢) وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣))
[آل عمران : ١٣١ ، ١٣٣]
جزاء الكفر النار ، أي جزاء التمسك بالأنا الانحجاب عن الله ، فمعنى كفر ستر ، والكافر مستور أي محجوب ، والرحمة هي من نوع التوفي فالناس يقولون لمن مات المتوفى ، والمتوفي بالياء لا بالألف المقصورة هو الله ، فثمة رابطة بين الرحمة والتوفي ، وثمة رابطة بين التوفي والموت ، والإشارة إلى الموت النفسي المعنوي وهو التحاق الأنا الجزئية بالأنا الكلية