عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ) [طه : ٤٠] وقوله : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها) [القصص : ١٠] ، فالصبر من الله لا من الإنسان ، ولو لا التأييد الإلهي والربط على القلب ما صبر صابر ، إذ أن الإنسان خلق من ضعف فهو ضعيف.
١٤٣ ـ (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣))
[آل عمران : ١٤٣]
تؤكد الآية ما جاء فى تأويل الآية السابقة ، إذ أن المسلمين تمنوا الموت لما استشهد من استشهد من المسلمين بغزوة بدر ، ليظفروا بالشهادة مثلهم ، فلما برز إليهم الموت في غزوة أحد دب الذعر في صفوفهم ، فانهزموا ، وتركوا النبي صلىاللهعليهوسلم وحده بعد أن أشيع أنه قد قتل ، والمهم القول إنه لا المسلمون الذين استشهدوا بغزوة بدر ، ولا المسلمون الذين انهزموا في غزوة أحد قد فعلوا من تلقاء أنفسهم ، بل الله الفاعل على انفراد ، يؤيد ويثبت وينصر بالإلهام والوحي.
١٤٤ ـ (وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤))
[آل عمران : ١٤٤]
تحذر الآية من التعلق بمظهر النبوة ، والتعلق بالمظهر وحده يدخل في باب الشرك بل الكفر ، إذ التعلق نفسه بالمظهر دون الظاهر به هو حجاب عن الله الظاهر ، وعلى مدى التاريخ تعلقت الناس بالأنبياء ممثلي الاسم الظاهر ، فكانت العاقبة شبه وثنية ، وأحيانا وثنية تامة نهى سبحانه عنها بقوله : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ،) فالتوكل يجب أن يكون على الله وحده وكذلك التعلق ، ومن هذا الإيمان قال أبو بكر رضي الله عنه يوم وفاة الرسول صلىاللهعليهوسلم : (من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن يعبد الله فإن الله حي لا يموت).
١٤٥ ـ (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (١٤٥))
[آل عمران : ١٤٥]
موت النفس عودة شعاع النفس الجزئية إلى النفس الكلية ، ولهذا قيل في الآية : (كِتاباً مُؤَجَّلاً ،) فصدور الشعاع من شمس الذات وعودته إليها هما الكتاب المؤجل ، ولهذا يقال : إن لكل نفس أجلها ، والأجل داخل في باب الحسابات الكونية ، حيث رتب الوجود ترتيبا زمنيا موقوتا محسوبا لا يستقدم ساعة ولا يستأخر ، وهذا الإيمان هو الذي مد المسلمين بالشجاعة التي جعلتهم يفتحون الأمصار شرقا وغربا في بضع عشرة سنة متوكلين على الله ، مؤمنين بالأجل الموقوت.
١٤٦ ـ (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا