اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦))
[آل عمران : ١٤٦]
النبي ممثل الإنسان الكامل ، والاسم الجامع ، فهو ظهور الروح الأعظم ، وكل نبي هو مظهر هذا الاسم ، ولهذا لقيت دعوة الأنبياء النجاح لأنهم يخاطبون القلوب قبل العقول ، والربيون الذين يقاتلون مع النبي هم ممثلو الأسماء الجمالية المنضوية حكما تحت الاسم الجامع ، وقوله وما ضعفوا وما استكانوا يعني المدد الوارد من الاسم الجامع نفسه كقوله سبحانه : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) [الفتح : ٤] ، وقوله : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرّعد : ٢٨] ، فوجود النبي نفسه مدد لمن حوله ، وهم بالتالي سبب لنجاح دعوته.
١٤٧ ـ (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (١٤٧))
[آل عمران : ١٤٧]
تثبيت الأقدام هو نتيجة المدد عن طريق الخواطر ، والأقدام تذكر بالنعلين اللذين أمر موسى بخلعهما قبل تلبية الله ، والنعلان رمز الفكر بشقيه الإيجابي والسلبي ، والقدمان تنتعلان النعلين فهما لهما مقومان ، وأصل القدمين فرعا الحق سواء كان القدم أو الحدوث إذ أن أصل الفكر الإنساني فكر إلهي هو ما سمي في الفلسفة العقل الفعال ، أو في علوم الدين الروح أو جبريل.
والانتصار على الكافرين يتحقق من خلال حرب الخواطر الفكرية نفسها ، إذ أن الكافرين واقفون مع الشطر السلبي من الخواطر كالشك والتردد والخوف ، في حين يثبت الله المؤمنين ، بالخاطر الإلهي فيتحقق النصر.
١٤٨ ـ (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٤٨))
[آل عمران : ١٤٨]
ثواب الدنيا تحقق أسماء الجمال وفوز القلب بمجلاها ، وهذا نصر للقلب مبين ، وهو في الدنيا ثواب ، إذ أن الجمال الدنيوي جمال وجهه البادي ، أما ثواب الآخرة فهو تحقق الوصول إلى الجمع بإضافة أسماء الجلال إلى أسماء الجمال ، وهذا هو الجمع بين الضدين الذي به يعرف القلب الله كما سئل أبو سعيد الخراز : بم عرفت الله؟ فقال : بالجمع بين الضدين فلا آخرة لمن لم يكشف عنه سر التناقض والتضاد الجامع للخير والشر ، والملاحظ أن الآية ختمت بالحديث عن المحسنين ، أي الوصول إلى مقام الإحسان ، وهو ختام آية سابقة تحدثنا عنها في موضعها وهي قوله سبحانه : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤))
[آل عمران : ١٣٤]