فليست بلذيذة الطعم ، وإنما يتلذّذون بها لما تنفي من الهمّ ولما تغيّب من العقول المقتضية للنظر في العواقب. وكلّما قلّ العقل قلّ الهمّ. ومنه قول بعض الدّعّار : [من الرجز]
لو لم يكن في شربها فرح |
|
إلا الخلاص من دواهي الهموم |
وقال في معنى أن كلّما قلّ العقل قلّ الهمّ (١) : [من الكامل]
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله |
|
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم |
والغول : شيء يزعم العرب أنه يهلك الإنسان في البريّة ، وأنه يتراءى له ويتلوّن حتى يتبعه فيهلكه ، وذكروا ذلك في أشعارهم وأكثروا منه ؛ قال كعب رضي الله عنه (٢) : [من البسيط]
فما تدوم على حال تكون بها |
|
كما تلوّن في أثوابها الغول |
وقد بالغ بعض الشعراء فقال في نفيها (٣) : [من البسيط]
الجود والغول والعنقا ثلاثتها |
|
أسماء أشياء لم تخلق ولم تكن |
وقد كذب في نفي الجود فإنه خلق وكان ، ولكثرة ما ذكرت العرب الغول نفاها الحديث النبويّ في قوله عليه الصلاة والسّلام : «لا غول» (٤) كقوله : «لا هامة ولا عدوى ولا صفر» (٥). وتغولت عليّ البلاد ، أي تلوّنت واختلفت. وقال بعضهم : الغول هي السّعلاة ، والجمع سعالى. ويقولون : إنّ السّعلاة ساحرة الجن. فإن صحّ ذلك فتكون الغول موجودة لأن مذهب أهل الحقّ أنّ الجنّ موجودون. وفي الحديث : «بأرض غائلة النّطاء» (٦) أي تغول ببعدها سالكيها ، أي تهلكهم. ومنه المثل : «العطب غول الحلم» (٧) أي يهلك
__________________
(١) البيت للمعري مشهور.
(٢) الديوان : ٨.
(٣) مرّ في مادة (ع ن ق).
(٤) الحديث في النهاية (٣ / ٣٩٦): «لا غول ولا صفر».
(٥) الحديث في النهاية (٥ / ٢٨٣): «لا عدوى ولا هامة». وتغولت وردت في الأصل : تغول.
(٦) النهاية : ٣ / ٣٩٧ ، من حديث طهفة.
(٧) لم نجده في المظان.