قوله تعالى : (وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ)(١) أي أوقعتموها في الفتنة والعذاب. قوله (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ)(٢) سمّاهم فتنة اعتبارا بما ينال الإنسان من الاختبار بهم ، وذلك لأنهم يحملونه على الاكتساب من كلّ وجه والاقتحام في كلّ هلكة ، كما سمّاهم عدوّا في قوله : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ)(٣) باعتبار ما يتولّد منهم ، وقد سمّاهم زينة في مواضع اعتبارا بعادة الناس في تكاثرهم بالأولاد (٤).
قوله : (أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ)(٥) أي يختبرون ، فيتميّز خبيثهم من طيّبهم وطائعهم من عاصيهم. وفي وزنه : («أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا)(٦). وقوله تعالى : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ)(٧) أي يبتلون ويختبرون فينظر من يثبت على دينه في الصحّة والمرض والسرّاء والضرّاء ، ولا يكونوا كما قال فيهم : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ)(٨) وقيل : هو إشارة إلى قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ)(٩) ، ولذلك عقّبه بقوله : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) أي الحابسين أنفسهم على دينهم مع ما يصيبهم من هذه البلايا. ولم يقتصر على وصفهم بالصبر حتى حكي عن قولهم ما حكي في هذا المقام المدحض الذي تذهب فيه العقول وتطيش الحلوم ، لا سيما عند من فسّر الثمرات الفؤاد وهي الأولاد كما أوضحنا في غير هذا الكتاب.
وقوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ)(١٠) أي ابتلاؤك واختبارك عبادك ، لأنّ لك التصرف
__________________
(١) ١٤ / الحديد : ٥٧.
(٢) ٢٨ / الأنفال : ٨.
(٣) ١٤ / التغابن : ٦٤.
(٤) كما في قوله تعالى : (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) (٤٦ / الكهف : ١٨).
(٥) ٢ / العنكبوت : ٢٩.
(٦) ٢١٣ / البقرة : ٢.
(٧) ١٢٦ / التوبة : ٩.
(٨) ١١ / الحج : ٢٢.
(٩) ١٥٥ / البقرة : ٢.
(١٠) ١٥٥ / الأعراف : ٧.