البحر ، وهذا لا يقدر عليه بشر إلا بأن يقدره الله عليه ، ويؤيد الآخر قوله تعالى : (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها)(١) بعد قوله : (إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ).
قوله تعالى : (سَنَفْرُغُ لَكُمْ)(٢) أي سنعمل ، وهو مما يتعارفه الناس في محاوراتهم : ما يفرغ فلان لفلان ؛ يقولونه تهديدا ، وبذلك فسّره المبرد وأنشد (٣) [من الطويل]
ولمّا اتّقى القين العراقيّ باسته |
|
فرغت إلى العبد المقيّد في الحجل |
والفراغ في اللغتين على وجهين : الأول الفراغ من شغل ، وهذا غير جائز على الله تعالى لأنه لا يشغله شأن عن شأن ، والثاني : القصد للشيء.
والإفراغ : الصبّ ، ومنه : «آتوني أفرغ عليه قطرا» (٤) واستعير ذلك في المعاني ؛ فقيل : أفرغ الله علينا الصّبر ؛ قال تعالى : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً)(٥) وأفرغت الإناء : صببت ما فيه ، ومنه استعير : ذهب دمه فرغا ، أي مصبوبا باطلا غير مأخوذ بثأره. قال الشاعر : [من البسيط]
أهان دمّك فرغا بعد عزّته |
|
يا عمرو بغيك إضرارا على الجسد |
وقال آخر (٦) : [من الطويل]
فإن تك أذواد أصبن ونسوة |
|
فلن تذهبوا فرغا بقتل حبال |
فرغا : حال من بقتل قدم عليه.
وحمار فراغ ، ودابة فراغ ، أي سريعة السير ، ومنه حديث الأنصاري : «حملنا رسول
__________________
(١) تابع الآية السابقة.
(٢) ٣١ / الرحمن : ٥٥.
(٣) البيت لجرير (الديوان : ٤٦٤) ، وفيه : القين المقيد. والقين العراقي : البعيث.
(٤) ٩٦ / الكهف : ١٨.
(٥) ٢٥٠ / البقرة : ٢.
(٦) من شواهد اللسان ـ مادة فرغ.