والباطل حسبما أمرهم الله تعالى به. وقيل : بفصل الأشياء حسبما أمروا به من زيادة رزق هذا وعمره ، ونقص آخر منهما ، حسبما ورد بذلك ظاهر أحاديث مشهورة.
وقوله تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ)(١) أي فصلناه وبينّا فيه الأحكام ، وقرىء (فَرَقْناهُ)(٢) مشددا أي نجّمناه في التنزيل ، ولذلك قال : (وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً)(٣).
قوله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ)(٤) إنّما دخلت بين على أحد وإن كان بلفظ الإفراد. وبين لا تدخل إلا على متعدّد لأنّه يفيد الجمع في سياق النفي ، والمعنى أنّ الإيمان بكلّ الرسل واجب ، وكذلك بجميع الكتب السماوية وبجميع الملائكة ، فلو آمن واحد ببعض أولئك فإيمانه كلا إيمان ، وحينئذ يكون المؤمن بالبعض قد فرّق بين رسول ورسول وكتاب وكتاب ، مع أن كلّا منهم يدلي بما يدلي الآخر. فما معنى التفرقة بينهم في ذلك؟
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ)(٥) أي جعلوا دينهم مختلفا ، فخلطوا حقّه بباطله ، بأن آمنوا ببعض الرسل وبعض الكتب ، وكفروا ببعض ، فهو في معنى الآية قبلها. وقرىء فارقوا (٦) أي تركوا. ويطابق الأولى قوله بعده (وَكانُوا شِيَعاً) أي فرقا مختلفة.
قوله تعالى : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً)(٧) أي نورا وتوفيقا في قلوبكم يفرق بين الحقّ والباطل ، فكأنّ الفرقان ههنا كالسّكينة والرّوح في غيره. وقال الفراء : أي فتحا ونصرا ونجاة.
__________________
(١) ١٠٦ / الإسراء : ١٧.
(٢) قراءة أبيّ وابن عباس ومجاهد (مختصر الشواذ : ٧٧).
(٣) تتمة الآية السابقة.
(٤) ٢٨٥ / البقرة : ٢.
(٥) ١٥٩ / الأنعام : ٦.
(٦) قرأها علي ، وقال : «والله ما فرّقوه ولكن فارقوه» وهم اليهود والنصارى (معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٦٦). ويقول الفراء : وكلّ وجه.
(٧) ٢٩ / الأنفال : ٨.