(قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ)(١١)
أنفسهم فيناديهم خزنة النار (لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) أي لمقت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم ، فاستغنى بذكرها مرة ، والمقت أشدّ البغض ، وانتصاب (إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ) بالمقت الأول عند الزمخشري ، والمعنى أنه يقال لهم يوم القيامة : كان الله يمقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان فتأبون قبوله وتختارون عليه الكفر أشدّ مما تمقتونهنّ اليوم وأنتم في النار إذا وقعتم فيها باتّباعكم هواهنّ ، وقيل معناه لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض كقوله : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (١) وإذ تدعون تعليل ، وقال جامع العلوم وغيره : إذ منصوب بفعل مضمر دلّ عليه لمقت الله ، أي يمقتهم الله حين دعوا إلى الإيمان فكفروا ولا ينتصب بالمقت الأول ، لأنّ قوله لمقت الله مبتدأ ، وهو مصدر وخبره أكبر من مقتكم (٢) ، فلا يعمل في إذ تدعون ؛ لأنّ المصدر إذا أخبر عنه لم يجز أن يتعلّق به شيء يكون في صلته لأنّ الإخبار عنه يؤذن بتمامه ، وما يتعلّق به يؤذن بنقصانه ، ولا بالثاني لاختلاف الزمانين ، وهذا لأنهم مقتوا أنفسهم في النار وقد دعوا إلى الإيمان في الدنيا (فَتَكْفُرُونَ) فتصرّون على الكفر.
١١ ـ (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) أي إماتتين وإحياءتين أو موتتين وحياتين.
وأراد بالإماتتين خلقهم أمواتا أولا وإماتتهم عند انقضاء آجالهم ، وصحّ أن يسمى خلقهم أمواتا إماتة ، كما صحّ أن يقال : سبحان من صغّر جسم البعوضة وكبّر جسم الفيل ، وليس ثمة نقل من كبر إلى صغر ، ولا من صغر إلى كبر ، والسبب فيه أنّ الصّغر والكبر جائزان على المصنوع الواحد ، فإذا اختار الصانع أحد الجائزين فقد صرف المصنوع عن الجائز الآخر ، فجعل صرفه عنه كنقله منه.
وبالإحياءتين : الإحياءة الأولى (٣) ، وإحياءة البعث ، ويدل عليه قوله : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) (٤) وقيل : الموتة الأولى في الدنيا ، والثانية في
__________________
(١) العنكبوت ، ٢٩ / ٢٥.
(٢) زاد في (ظ) و (ز) أنفسكم.
(٣) في (ز) : في الدنيا والاحياءة الثانية البعث.
(٤) البقرة ، ٢ / ٢٨.