(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (٢٨) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاء قَدِيرٌ (٢٩) وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) (٣٠)
وقدرا (إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) يعلم أحوالهم فيقدّر لهم ما تقتضيه حكمته ، فيفقر ويغني ويمنع ويعطي ، ويقبض ويبسط ، ولو أغناهم جميعا لبغوا ، ولو أفقرهم لهلكوا ، وما ترى من البسط على من يبغي ومن البغي بدون البسط فهو قليل ، ولا شكّ أنّ البغي مع الفقر أقلّ ومع البسط أكثر وأغلب.
٢٨ ـ (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) بالتشديد مدني وشامي وعاصم (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) وقرىء قنطوا (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) أي بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب ، وقيل لعمر رضي الله عنه : اشتدّ القحط وقنط الناس ، فقال مطروا إذا ، أراد هذه الآية ، أو أراد رحمته في كلّ شيء (وَهُوَ الْوَلِيُ) الذي يتولى عباده بإحسانه (الْحَمِيدُ) المحمود على ذلك ، يحمده أهل طاعته.
٢٩ ـ (وَمِنْ آياتِهِ) أي علامات قدرته (خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) مع عظمهما (وَما بَثَ) فرّق ، وما يجوز أن يكون مرفوعا ومجرورا حملا على المضاف أو المضاف إليه (فِيهِما) في (١) السماوات والأرض (مِنْ دابَّةٍ) الدواب تكون في الأرض وحدها ، لكن يجوز أن ينسب الشيء إلى جميع المذكور وإن كان ملتبسا ببعضه ، كما يقال بنو تميم فيهم شاعر مجيد ، وإنما هو في فخذ من أفخاذهم ، ومنه قوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) (٢) وإنما يخرج من الملح ، ولا يبعد أن يخلق في السماوات حيوانات يمشون فيها مشي الأناسي على الأرض ، أو يكون للملائكة مشي مع الطيران فوصفوا بالدبيب كما وصف به الأناسي (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ) يوم القيامة (إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) إذا تدخل على المضارع كما تدخل على الماضي ، قال الله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (٣).
٣٠ ـ (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ) غمّ وألم ومكروه (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أي بجناية كسبتموها عقوبة عليه (٤). بما كسبت (٥) مدني وشامي على أنّ ما مبتدأ وبما
__________________
(١) في (ز) من وهو خطأ من الناسخ.
(٢) الرحمن ، ٥٥ / ٢٢.
(٣) الليل ، ٩٢ / ١.
(٤) في (ظ) و (ز) عليكم.
(٥) في (ز) بما كسبت بغير الفاء.