(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (٢٤) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) (٢٥)
(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) أي أيدي أهل مكة (وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) عن أهل مكة ، يعني : قضى بينهم وبينكم المكافّة والمحاجزة بعد ما خوّلكم الظفر عليهم والغلبة وذلك يوم الفتح ، وبه استشهد أبو حنيفة رضي الله عنه على أن مكة فتحت عنوة لا صلحا ، وقيل كان في غزوة الحديبية لمّا روي أنّ عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة فبعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم من هزمه وأدخله حيطان مكة (١) ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أظهر المسلمين عليهم بالحجرة حتى أدخلوهم البيوت (بِبَطْنِ مَكَّةَ) أي بمكة أو بالحديبية لأن بعضها منسوب إلى الحرم (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) أي أقدركم وسلّطكم (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) وبالياء أبو عمرو.
٢٥ ـ (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ) هو ما يهدى إلى الكعبة ، ونصبه عطفا على كم في صدوكم ، أي وصدوا الهدي (مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ) محبوسا عن (٢) أن يبلغ ، ومعكوفا حال. وكان عليهالسلام ساق سبعين بدنة (مَحِلَّهُ) مكانه الذي يحلّ فيه نحره ، أي يجب ، وهذا دليل على أنّ المحصر محل هديه الحرم ، والمراد المحلّ المعهود وهو منّى (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) بمكة (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) صفة للرجال والنساء جميعا (أَنْ تَطَؤُهُمْ) بدل اشتمال منهم ، أو من الضمير المنصوب في تعلموهم (فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ) إثم وشدة ، وهي مفعلة من عرّه بمعنى عراه إذا دهاه ما يكرهه ويشقّ عليه ، وهو الكفارة إذا قتله خطأ ، وسوء قالة المشركين أنهم فعلوا بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز ، والإثم إذا قصّر (بِغَيْرِ عِلْمٍ) متعلق بأن تطؤوهم ، يعني أن تطؤوهم غير عالمين بهم ، والوطء عبارة عن الإيقاع والإبادة ، والمعنى أنه كان بمكة قوم من المسلمين مختلطون بالمشركين غير متميزين منهم ، فقيل ولو لا كراهة أن تهلكوا ناسا مؤمنين بين ظهراني المشركين وأنتم غير عارفين بهم فيصيبكم بإهلاكهم مكروه ومشقة لما كف أيديكم عنهم ، وقوله
__________________
(١) الطبري عن ابن أبزى بأتم منه.
(٢) ليس في (ظ) و (ز) عن.