(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) (٢)
هذا الأسلوب الدلالة على قوة الاختصاص ، ولما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الله بالمكان الذي لا يخفى سلك به هذا المسلك ، وفي هذا تمهيد لما نقم منهم من رفع أصواتهم فوق صوته عليهالسلام ، لأنّ من فضّله الله بهذه الأثرة واختصّه هذا الاختصاص كان أدنى ما يجب له من التهيب والإجلال أن يخفض بين يديه الصوت ، وعن الحسن : أنّ أناسا ذبحوا يوم الأضحى قبل الصلاة فنزلت وأمرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يعيدوا ذبحا آخر (١). وعن عائشة رضي الله عنها أنها نزلت في النهي عن صوم يوم الشك (٢) (وَاتَّقُوا اللهَ) فإنكم إن اتقيتموه عاقتكم التقوى عن التقدمة المنهي عنها (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لما تقولون (عَلِيمٌ) بما تعملون ، وحقّ مثله أن يتّقى.
٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إعادة النداء عليهم استدعاء منهم لتجديد الاستبصار عند كلّ خطاب وارد ، وتحريك منهم لئلا يغفلوا عن تأملهم (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ) أي إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحدّ الذي يبلغه بصوته ، وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه عاليا لكلامكم وجهره باهرا لجهركم حتى تكون مزيته عليكم لائحة وسابقته لديكم واضحة (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) أي إذا كلمتموه وهو صامت فإياكم والعدول عما نهيتم عنه من رفع الصوت بل عليكم أن لا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم ، وأن تتعمدوا في مخاطبته القول اللين المقرّب من الهمس الذي يضادّ الجهر ، أو لا تقولوا : له يا محمد ، يا أحمد ، وخاطبوه بالنبوة والسكينة والتعظيم ، ولما نزلت هذه الآية ما كلّم النبي صلىاللهعليهوسلم أبو بكر (٣) وعمر (٤) إلا كأخي السّرار ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وكان في أذنه وقر ، وكان جهوري الصوت ، وكان إذا كلّم رفع صوته ، وربما كان يكلّم النبي صلىاللهعليهوسلم فيتأذى بصوته (٥) ، وكاف التشبيه في محلّ النصب أي لا تجهروا له جهرا مثل جهر بعضكم لبعض ، وفي هذا أنهم لم ينهوا عن الجهر
__________________
(١) عبد الرزاق عن معمر عن الحسن ، والطبري عن سعيد عن قتادة ... وقال الحسن فذكره.
(٢) ذكره الثعلبي بغير سند ، والدارقطني عن مسروق.
(٣) أخرجه البزار عن أبي بكر.
(٤) أخرجه البخاري من حديث أبي الزبير.
(٥) قال ابن حجر : لم أجده بلفظه. وله ما يقويه عند أحمد والطبراني.