(إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (٤)
مطلقا حتى لا يسوغ لهم إلّا أن يكلّموه بالمخافتة ، وإنما نهوا عن جهر مخصوص أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منه فيما بينهم ، وهو الخلو عن مراعاة أبهة النبوة وجلالة مقدارها (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) منصوب الموضع على أنه المفعول له متعلق بمعنى النهي ، والمعنى انتهوا عما نهيتم عنه لحبوط أعمالكم أي لخشية حبوطها على تقدير حذف المضاف (وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ).
٣ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) تمّ اسم إنّ عند (١) رسول الله ، والمعنى يخفضون أصواتهم في مجلسه تعظيما له (أُولئِكَ) مبتدأ خبره (الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) وتمّ صلة الذين عند قوله للتقوى ، وأولئك مع خبره خبر إنّ ، والمعنى أخلصها للتقوى من قولهم امتحن الذهب وفتنه إذا أذابه فخلّص إبريزه من خبثه ونقّاه ، وحقيقته عاملها معاملة المختبر فوجدها مخلصة ، وعن عمر رضي الله عنه أذهب الشهوات عنها ، والامتحان افتعال من محنه وهو اختبار بليغ أو بلاء جهيد (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) جملة أخرى قيل نزلت في الشيخين رضي الله عنهما لما كان منهما من غضّ الصوت ، وهذه الآية ـ بنظمها الذي رتّبت عليه من إيقاع الغاضّين أصواتهم اسما لإنّ المؤكدة وتصيير خبرها جملة من مبتدأ وخبر معرفتين معا ، والمبتدأ اسم الإشارة ، واستئناف الجملة المستودعة ما هو جزاؤهم على عملهم ، وإيراد الجزاء نكرة مبهما أمره ـ دالة على غاية الاعتداد والارتضاء بفعل الخافضين أصواتهم ، وفيها تعريض لعظيم ما ارتكب الرافعون أصواتهم.
٤ ـ (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ) نزلت في وفد بني تميم (٢) أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقت الظهيرة وهو راقد وفيهم الأقرع بن حابس (٣) وعيينة بن حصن ونادوا النبي صلىاللهعليهوسلم من وراء حجراته ، وقالوا : اخرج إلينا يا محمد فإنّ مدحنا زين وذمّنا شين ، فاستيقظ وخرج (٤). والوراء الجهة التي يواريها عنك الشخص بطلله (٥) من
__________________
(١) زاد في (ظ) و (ز) قوله.
(٢) بنو تميم : وهو تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر ، وإليه ينسب (الأنساب ١ / ٤٧٨).
(٣) الأقرع بن حابس بن عقال المجاشعي الدارمي التميمي ، صحابي ، من سادات العرب في الجاهلية شهد حنينا وفتح مكة والطائف استشهد بالجوزجان عام ٣١ ه (الأعلام ٢ / ٥).
(٤) ابن إسحاق في السيرة.
(٥) في (ز) بظله ، والطّلل : ما شخص من آثار الدار.