(وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (٥)
خلف أو قدّام ، ومن لابتداء الغاية ، وأن المناداة نشأت من ذلك المكان ، والحجرة الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوّط عليها ، وهي فعلة بمعنى مفعولة كالقبضة وجمعها الحجرات بضمتين ، والحجرات بفتح الجيم وهي قراءة يزيد ، والمراد حجرات نساء رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكانت لكلّ منهن حجرة ، ومناداتهم من ورائها لعلّهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له ، أو نادوه من وراء الحجرة التي كان عليهالسلام فيها ، ولكنها جمعت إجلالا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم والفعل وإن كان مسندا إلى جميعهم فإنه يجوز أن يتولّاه بعضهم وكان الباقون راضين ، فكأنهم تولّوه جميعا (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) يحتمل أن يكون فيهم من قصد استثناؤه ، ويحتمل أن يكون المراد النفي العام إذ القلة تقع موقع النفي ، وورود الآية على النمط الذي وردت عليه فيه ما لا يخفى من إجلال محلّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم منها التسجيل على الصائحين به بالسفه والجهل ، ومنها إيقاع لفظ الحجرات كناية عن موضع خلوته ومقيله مع بعض نسائه ، ومنها التعريف باللام دون الإضافة ، ولو تأمل متأمل من أول السورة إلى آخر هذه الآية لوجدها كذلك ، فتأمل كيف ابتدأ بإيجاب أن تكون الأمور التي تنتمي إلى الله ورسوله متقدمة على الأمور كلّها من غير تقييد ، ثم أردف ذلك النهي عما هو من جنس التقديم من رفع الصوت والجهر كأنّ الأول بسط للثاني ، ثم أثنى على الغاضّين أصواتهم ليدلّ على عظيم موقعه عند الله ، ثم عقبه بما هو أطمّ وهجنته أتمّ من الصياح برسول الله صلىاللهعليهوسلم في حال خلوته من وراء الجدر كما يصاح بأهون الناس قدرا لينبه على فظاعة ما جسروا عليه لأنّ من رفع الله قدره عن أن يجهر له بالقول كان صنيع هؤلاء من المنكر الذي بلغ في التفاحش مبلغا.
٥ ـ (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا) أي ولو ثبت صبرهم ، ومحلّ أنهم صبروا الرفع على الفاعلية ، والصبر حبس النفس عن أن تنازع إلى هواها ، قال الله تعالى : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) (١) وقولهم صبر عن كذا محذوف منه المفعول ، وهو النفس ، وقيل الصبر مرّ لا يتجرّعه إلا حرّ ، وقوله (حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ) يفيد أنه لو خرج ولم يكن خروجه إليهم ولأجلهم للزمهم أن يصبروا إلى أن يعلموا أنّ خروجه إليهم (لَكانَ) الصبر (خَيْراً لَهُمْ) في دينهم (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بليغ الغفران والرحمة واسعهما ، فلن يضيق غفرانه ورحمته عن هؤلاء إن تابوا وأنابوا.
__________________
(١) الكهف ، ١٨ / ٢٨.