(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦) وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (٧)
٦ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ) أجمعوا أنها نزلت في الوليد بن عقبة (١) وقد بعثه رسول الله صلىاللهعليهوسلم مصدقا إلى بني المصطلق (٢) ، وكانت بينه وبينهم إحنة في الجاهلية ، فلما شارف ديارهم ركبوا مستقبلين إليه ، فحسبهم مقاتليه ، فرجع وقال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : قد ارتدوا ومنعوا الزكاة ، فبعث خالد بن الوليد (٣) فوجدهم يصلون ، فسلموا إليه الصدقات ، فرجع (٤) ، وفي تنكير الفاسق والنبأ شياع في الفسّاق والأنباء ، كأنه قال أي فاسق جاءكم بأي نبأ (فَتَبَيَّنُوا) فتوقفوا فيه وتطلّبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة ، ولا تعتمدوا قول الفاسق ، لأن من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه ، وفي الآية دلالة قبول خبر الواحد العدل ، لأنا لو توقفنا في خبره لسوّينا بينه وبين الفاسق ، ولخلا التخصيص به عن الفائدة ، والفسوق الخروج من الشيء ، يقال فسقت الرطبة عن قشرها ، ومن مقلوبه فقست البيضة إذا كسرتها وأخرجت ما فيها ، ومن مقلوبه أيضا قفست الشيء إذا أخرجته من يد مالكه مغتصبا له عليه ، ثم استعمل في الخروج عن القصد بركوب الكبائر ، حمزة وعليّ فتثبتوا والتثبّت والتبيّن متقاربان وهما طلب الثبات والبيان والتعرّف (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً) لئلا تصيبوا (بِجَهالَةٍ) حال ، يعني جاهلين بحقيقة الأمر وكنه القصّة (فَتُصْبِحُوا) فتصيروا (عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) الندم ضرب من الغمّ ، وهو أن تغتمّ على ما وقع منك تتمنى أنه لم يقع ، وهو غمّ يصحب الإنسان صحبة لها دوام.
٧ ـ (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ) فلا تكذبوا فإنّ الله يخبره فينهتك ستر الكاذب ، أو فارجعوا إليه واطلبوا رأيه ، ثم قال مستأنفا (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ
__________________
(١) الوليد بن عاقبة : أخو عثمان بن عفان لأمه ، من فتيان قريش وشعرائهم ، فيه ظرف ومجون ولهو ، اعتزل الفتنة بين علي ومعاوية مات عام ٦١ ه (الأعلام ٨ / ١٢٢).
(٢) بنو المصطلق : هم ذرية سعد بن عمرو وهو المصطلق وإليه ينسب ومنهم أم المؤمنين جويرية بنت الحارث (الأنساب ٥ / ٣١٢).
(٣) خالد بن الوليد بن المغيرة المخزومي ، القرشي ، سيف الله ، أسلم قبل الفتح ، فاتح كبير ، كان خطيبا فصيحا يشبه عمر بن الخطاب في خلقه وصفته مات عام ٢١ ه (الأعلام ٢ / ٣٠٠).
(٤) إسحاق والطبراني من حديث أم سلمة.