فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨) وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (٩)
(لَعَنِتُّمْ) لوقعتم في الجهد والهلاك ، وهذا يدل على أن بعض المؤمنين زينوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم الإيقاع ببني المصطلق وتصديق قول الوليد ، وأنّ بعضهم كانوا يتصوّنون ويزعهم جدّهم في التقوى عن الجسارة على ذلك ، وهم الذين استثناهم بقوله (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ) وقيل هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى. ولما كانت صفة الذين حبّب إليهم (١) الإيمان غايرت صفة المقدّم (٢) ذكرهم وقعت لكن في حاقّ موقعها من الاستدراك وهو مخالفة ما بعدها لما قبلها نفيا وإثباتا (وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ) وهو تغطية نعم الله وغمطها بالجحود (وَالْفُسُوقَ) وهو الخروج عن محجة الإيمان بركوب الكبائر (وَالْعِصْيانَ) وهو ترك الانقياد بما أمر به الشارع (أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) أي أولئك المستثنون هم الراشدون ، يعني أصابوا طريق الحقّ ولم يميلوا عن الاستقامة ، والرشد الاستقامة على طريق الحقّ مع تصلب فيه من الرشادة ، وهي الصخرة.
٨ ـ (فَضْلاً مِنَ اللهِ وَنِعْمَةً) الفضل والنعمة بمعنى الإفضال والإنعام والانتصاب على المفعول له ، أي حبّب وكرّه للفضل والنعمة (وَاللهُ عَلِيمٌ) بأحوال المؤمنين وما بينهم من التمايز والتفاضل (حَكِيمٌ) حين يفضّل وينعم بالتوفيق على الأفاضل.
٩ ـ (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) وقف رسول الله صلىاللهعليهوسلم على مجلس بعض الأنصار وهو على حمار ، فبال الحمار ، فأمسك ابن أبي بأنفه ، وقال : خلّ سبيل حمارك فقد آذانا نتنه ، فقال عبد الله بن رواحة : والله إنّ بول حماره لأطيب من مسكك ، ومضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وطال الخوض بينهما حتى استبّا وتجالدا ، وجاء قوماهما ، وهما الأوس (٣) والخزرج (٤) ، فتجالدوا بالعصي ، وقيل بالأيدي والنعال والسعف ، فرجع إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأصلح بينهم ونزلت (٥). وجمع اقتتلوا حملا
__________________
(١) في (ظ) و (ز) حبب الله إليهم.
(٢) في (ز) المتقدم.
(٣) الأوس : بطن من الأنصار ينسب إلى أوس بن حارثة بن ثعلبة (الأنساب ١ / ٢٢٨).
(٤) الخزرج : بطن من الأنصار ينسب إلى الخزرج بن حارثة بن ثعلبة (الأنساب ٢ / ٣٥٩).
(٥) رواه الشيخان من حديث أنس.