(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (١١)
على المعنى ، لأن الطائفتين في معنى القوم والناس ، وثنّي في فأصلحوا بينهما نظرا إلى اللفظ (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى) البغي الاستطالة والظلم وإباء الصلح (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ) أي ترجع ، والفيء الرجوع ، وقد سمّي به الظّلّ والغنيمة ، لأنّ الظلّ يرجع بعد نسخ الشمس ، والغنيمة ما يرجع من أموال الكفار إلى المسلمين ، وحكم الفئة الباغية وجوب قتالها ما قاتلت ، فإذا كافّت (١) وقبضت عن الحرب أيديها تركت (إِلى أَمْرِ اللهِ) المذكور في كتابه من الصلح وزوال الشحناء (فَإِنْ فاءَتْ) عن البغي إلى أمر الله (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ) بالإنصاف (وَأَقْسِطُوا) واعدلوا ، وهو أمر باستعمال القسط على طريق العموم بعد ما أمر به في إصلاح ذات البين (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) العادلين والقسط : الجور ، والقسط : العدل ، والفعل منه أقسط وهمزته للسلب ، أي أزال القسط وهو الجور.
١٠ ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) هذا تقرير لما ألزمه من تولي الإصلاح بين من وقعت بينهم المشاقّة من المؤمنين ، وبيان أنّ الإيمان قد عقد بين أهله من السبب القريب والنسب اللاصق ما إن لم يفضل الإخوة لم ينقص عنها ، ثم قد جرت العادة على أنه إذا نشب مثل ذلك بين الأخوين ولادا لزم السائر (٢) أن يتناهضوا في رفعه وإزاحته بالصلح بينهما ، فالإخوة في الدين أحقّ بذلك ، إخوتكم يعقوب (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي واتقوا الله فالتقوى تحملكم على التواصل والائتلاف ، وكان عند فعلكم ذلك وصول رحمة الله إليكم مرجوّا ، والآية تدل على أنّ البغي لا يزيل اسم الإيمان لأنه سماهم مؤمنين مع وجود البغي.
١١ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ) القوم : الرجال خاصة لأنهم القوّام بأمور النساء قال الله تعالى : (الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ) (٣) وهو في الأصل جمع قائم كصوم وزور في
__________________
(١) في (ظ) و (ز) كفت.
(٢) الأخوين ولادا : الأشقاء وغير الأشقاء. السائر : الكلّ.
(٣) النساء ، ٤ / ٣٤.