جمع صائم وزائر ، واختصاص القوم بالرجال صريح في الآية إذ لو كانت النساء داخلة في قوم لم يقل ولا نساء وحقق ذلك زهير (١) في قوله :
وما أدري ولست أخال أدري |
|
أقوم آل حصن أم نساء |
وأما قولهم في قوم فرعون وقوم عاد هم الذكور والإناث فليس لفظ القوم بمتعاط للفريقين ، ولكن قصد ذكر الذكور وترك ذكر الإناث لأنهن توابع لرجالهنّ ، وتنكير القوم والنساء يحتمل معنيين : أن يراد لا يسخر بعض المؤمنين والمؤمنات من بعض ، وأن يقصد إفادة الشّياع ، وإن يصير كلّ جماعة منهم منهية عن السخرية ، وإنما لم يقل رجل من رجل ولا امرأة من امرأة على التوحيد إعلاما بإقدام غير واحد من رجالهم وغير واحدة من نسائهم على السخرية ، واستفظاعا للشأن الذي كانوا عليه ، وقوله : عسى أن يكونوا خيرا منهم. كلام مستأنف ورد مورد جواب المستخبر عن علة النهي وإلا فقد كان حقّه أن يوصل بما قبله بالفاء ، والمعنى وجوب أن يعتقد كلّ واحد أنّ المسخور منه ربما كان عند الله خيرا من الساخر إذ لا اطلاع للناس إلا على الظواهر ولا علم لهم بالسرائر ، والذي يزن عند الله خلوص الضمائر ، فينبغي أن لا يجترىء أحد على الاستهزاء بمن تقتحمه عينه إذا رآه رثّ الحال ، أو ذا عاهة في بدنه ، أو غير لبق (٢) في محادثته ، فلعله أخلص ضميرا وأتقى قلبا ممن هو على ضدّ صفته فيظلم نفسه بتحقير من وقّره الله تعالى ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه : البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أحوّل كلبا (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) ولا تطعنوا أهل دينكم ، واللمز : الطعن والضرب باللسان ، ولا تلمزوا يعقوب وسهل ، والمؤمنون كنفس واحدة فإذا عاب المؤمن المؤمن فكأنما عاب نفسه ، وقيل معناه لا تفعلوا ما تلمزون به لأنّ من فعل ما استحق به اللمز فقد لمز نفسه حقيقة (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) التنابز بالألقاب التداعي بها ، والنبز لقب السّوء ، والتلقيب المنهي عنه هو ما يتداخل المدعوّ به كراهة لكونه تقصيرا به وذما له ، فأما ما يحبه فلا بأس به. وروي أنّ قوما من بني تميم استهزؤوا ببلال وخباب وعمار وصهيب فنزلت. وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تسخر من زينب بنت خزيمة وكانت قصيرة ، وعن أنس رضي الله عنه عيّرت نساء النبي صلىاللهعليهوسلم أم سلمة بالقصر ، وروي أنها نزلت في ثابت بن قيس وكان به وقر فكانوا يوسعون له في مجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليسمع فأتى يوما وهو يقول تفسحوا
__________________
(١) زهير : هو زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني ، من مضر حكيم الشعراء في الجاهلية وفضله البعض على شعراء العرب كافة توفي عام ١٣ ق. ه (الأعلام ٣ / ٥٢).
(٢) في (ظ) و (ز) لبيق.