(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١٣)
بهتان) (١) ، وعن ابن عباس : الغيبة إدام كلاب الناس (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) ميّتا مدني ، وهذا تمثيل وتصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفحش وجه ، وفيه مبالغات منها الاستفهام الذي معناه التقرير ، ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة ، ومنها إسناد الفعل إلى أحدكم والإشعار بأنّ أحدا من الأحدين لا يحبّ ذلك ، ومنها أن لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الإنسان حتى جعل الإنسان أخا ، ومنها أن لم يقتصر على لحم الأخ حتى جعل ميتا ، وعن قتادة : كما تكره إن وجدت جيفة مدوّدة أن تأكل منها كذلك فاكره لحم أخيك وهو حيّ ، وانتصب ميتا على الحال من اللحم ، أو من أخيه ، ولما قرّرهم بأنّ أحدا منهم لا يحبّ أكل جيفة أخيه عقب ذلك بقوله (فَكَرِهْتُمُوهُ) أي فتحققت كراهتكم له باستقامة العقل ، فليتحقق أن تكرهوا ما هو نظيره من الغيبة باستقامة الدين (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) التوّاب : البليغ في قبول التوبة ، والمعنى واتقوا الله بترك ما أمرتم باجتنابه والندم على ما وجد منكم منه ، فإنكم إن اتقيتم تقبّل الله توبتكم وأنعم عليكم بثواب المتقين التائبين ، وروي أنّ سلمان كان يخدم رجلين من الصحابة ويسوي لهما طعامهما ، فنام عن شأنه يوما ، فبعثاه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يبغي لهما إداما ، وكان أسامة (٢) على طعام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : ما عندي شيء ، فأخبرهما سلمان فقالا : لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها ، فلما جاءا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لهما : (مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما) فقالا : ما تناولنا لحما ، قال : (إنكما قد اغتبتما ومن اغتاب مسلما فقد أكل لحمه) ثم قرأ الآية (٣) ، وقيل غيبة الخلق إنما تكون من الغيبة عن الحقّ.
١٣ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) من آدم وحواء ، أو كلّ واحد منكم من أب وأم فما منكم من أحد إلا وهو يدلي بمثل ما يدلي به الآخر سواء بسواء فلا معنى للتفاخر والتفاضل في النسب (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ) الشّعب الطبقة الأولى
__________________
(١) متفق عليه من حديث أبي هريرة.
(٢) أسامة : هو أسامة بن زيد بن حارثة ، من كنانة عوف ، أبو محمد ، صحابي جليل ، ولد بمكة عام ٧ ق. ه ، أمّره النبي عليهالسلام قبل أن يبلغ العشرين مات عام ٥٤ ه (الأعلام ١ / ٢٩١).
(٣) ذكره الثعلبي بغير سند.