(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١٥)
الدخول في السلم والخروج من أن يكون حربا للمؤمنين بإظهار الشهادتين ، ألا ترى إلى قوله (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) فأعلم أنّ ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام ، وما واطأ فيه القلب اللسان فهو إيمان ، وهذا من حيث اللغة ، وأما في الشرع فالإيمان والإسلام واحد لما عرف ، وفي لمّا معنى التوقّع وهو دال على أن بعض هؤلاء قد آمنوا فيما بعد ، والآية تنقض على الكرّامية مذهبهم أنّ الإيمان لا يكون بالقلب ولكن باللسان ، فإن قلت : مقتضى نظم الكلام أن يقال قل لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا ، أو قل لم تؤمنوا ولكن أسلمتم ، قلت : أفاد هذا النظم تكذيب دعواهم أولا ، فقيل قل لم تؤمنوا مع أدب حسن ، فلم يقل كذبتم تصريحا ، ووضع لم تؤمنوا الذي هو نفي ما ادّعوا ثباته (١) موضعه ، واستغنى بقوله لم تؤمنوا عن أن يقال لا تقولوا آمنا لاستهجان أن يخاطبوا بلفظ مؤداه النهي عن القول بالإيمان ، ولم يقل ولكن أسلمتم ليكون خارجا مخرج الزعم والدعوى ، ما كان قولهم آمنا كذلك ، ولو قيل ولكن أسلمتم لكان كالتسليم والاعتداد بقولهم وهو غير معتد به ، وليس قوله ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم تكريرا لمعنى قوله لم تؤمنوا ، فإن فائدة قوله لم تؤمنوا تكذيب لدعواهم ، وقوله ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم توقيت لما أمروا به أن يقولوه ، كأنه قيل لهم ولكن قولوا أسلمنا حين لم تثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم ، لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في قولوا (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) في السر بترك النفاق (لا يَلِتْكُمْ) لا يألتكم بصري (مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) أي لا ينقصكم من ثواب حسناتكم شيئا ، ألت يألت وألات يليت ولات يليت بمعنى وهو النقص (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) بستر الذنوب (رَحِيمٌ) بهدايتهم للتوبة عن العيوب. ثم وصف المؤمنين المخلصين فقال :
١٥ ـ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) ارتاب مطاوع رابه إذا أوقعه في الشكّ مع التهمة ، والمعنى أنهم آمنوا ثم لم يقع في نفوسهم شكّ فيما آمنوا به ولا اتهام لما صدّقوه ، ولما كان الإيقان وزوال الريب ملاك الإيمان أفرد بالذكر بعد تقدّم الإيمان تنبيها على مكانه ، وعطف على الإيمان بكلمة التراخي إشعارا
__________________
(١) في (ظ) و (ز) إثباته.