أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ) (١٧)
(وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) سماهم إخوانه لأنّ بينهم وبينه نسبا قريبا (وَقَوْمُ تُبَّعٍ) هو ملك باليمن أسلم ودعا قومه إلى الإسلام فكذّبوه وسمّي به لكثرة تبعه (كُلٌ) أي كلّ واحد منهم (كَذَّبَ الرُّسُلَ) لأنّ من كذب رسولا واحدا فقد كذّب جميعهم (فَحَقَّ وَعِيدِ) فوجب وحلّ وعيدي ، وفيه تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وتهديد لهم.
١٥ ـ (أَفَعَيِينا) أعيا (١) بالأمر إذا لم يهتد لوجه عمله ، والهمزة للإنكار (بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) أي أنّا لم نعجز عن الخلق الأول فكيف نعجز عن الثاني؟ والاعتراف بذلك اعتراف بالإعادة (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ) في خلط وشبهة وقد لبّس عليهم الشيطان وحيّرهم ، وذلك تسويله إليهم أنّ إحياء الموتى أمر خارج عن العادة ، فتركوا لذلك الاستدلال الصحيح وهو أنّ من قدر على الإنشاء كان على الإعادة أقدر (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) بعد الموت ، إنما نكّر الخلق الجديد ليدلّ على عظمة شأنه ، وأنّ حقّ من سمع به أن يخاف ويهتمّ به.
١٦ ـ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) الوسوسة الصوت الخفي ، ووسوسة النفس ما يخطر ببال الإنسان ويهجس في ضميره من حديث النفس ، والباء مثلها في قوله : صوّت بكذا (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) المراد قرب علمه منه (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) هو مثل في فرط القرب ، والوريد عرق في باطن العنق ، والحبل العرق ، والإضافة للبيان كقولهم بعير سانية.
١٧ ـ (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) يعني الملكين الحافظين (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) التلقي التلقن بالحفظ والكتابة ، والقعيد المقاعد كالجليس بمعنى المجالس ، وتقديره عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد من المتلقيين فترك أحدهما لدلالة الثاني عليه كقوله (٢) :
رماني بأمر كنت منه ووالدي |
|
بريئا ومن جول الطّويّ رماني |
أي رماني بأمر كنت منه بريئا وكان والدي منه بريئا ، وإذ منصوب بأقرب لما فيه
__________________
(١) في (ظ) و (ز) عيي.
(٢) البيت للفرزدق : والطوي : البئر ، والجول بضم الجيم : جدار البئر. وفي جميع النسخ وردت أجل بدل جول والتصويب من «تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات».