(وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) (٢٧)
كان يوم القيامة تيقّظ وزالت عنه الغفلة وغطاؤها ، فيبصر ما لم يبصره من الحقّ ، ورجع بصره الكليل عن الإبصار لغفلته حديدا لتيقظه.
٢٣ ـ (وَقالَ قَرِينُهُ) الجمهور على أنه الملك الكاتب الشهيد عليه (هذا) أي ديوان عمله ، مجاهد : شيطانه الذي قيّض له في قوله : (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) (١) هذا أي الذي وكلت به (ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) هذا مبتدأ ، وما نكرة بمعنى شيء ، والظرف بعده وصف له وكذلك عتيد ، وما وصفتها خبر هذا ، والتقدير هذا شيء ثابت لديّ عتيد. ثم يقول الله تعالى :
٢٤ ـ (أَلْقِيا) والخطاب للسائق والشهيد ، أو لمالك ، وكأنّ الأصل ألق ألق فناب ألقيا عن ألق ألق لأنّ الفاعل كالجزء من الفعل ، فكانت تثنية الفاعل نائبة عن تكرار الفعل ، وقيل أصله ألقين والألف بدل من النون إجراء للوصل مجرى الوقف دليله قراءة الحسن ألقين (فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ) بالنّعم والمنعم (عَنِيدٍ) معاند مجانب للحق معاد لأهله.
٢٥ ـ (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) كثير المنع للمال عن حقوقه ، أو مناع لجنس الخير أن يصل إلى أهله (مُعْتَدٍ) ظالم متخط للحقّ (مُرِيبٍ) شاك في الله وفي دينه.
٢٦ ـ (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) مبتدأ متضمن معنى الشرط ، خبره (فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) أو بدل من كلّ كفار ، وفألقياه تكرير للتوكيد ، ولا يجوز أن يكون جرا (٢) صفة لكفار لأنّ النكرة لا توصف بالموصول.
٢٧ ـ (قالَ قَرِينُهُ) أي شيطانه الذي قرن به ، وهو شاهد لمجاهد ، وإنما أخليت هذه الجملة عن الواو دون الأولى لأنّ الأولى واجب عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول ، أعني مجيء كلّ نفس مع الملكين ، وقول قرينه ما قال له ، وأما هذه فهي مستأنفة كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول كما في مقاولة موسى وفرعون ، فكأن الكافر قال ربّ هو أطغاني ، فقال قرينه
__________________
(١) الزخرف ، ٤٣ / ٣٦.
(٢) ليس في (ز) جرا.