(قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ (٢٨) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (٣٠) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) (٣٢)
(رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي ما أوقعته في الطغيان ولكنه طغى واختار الضلالة على الهدى.
٢٨ ـ (قالَ لا تَخْتَصِمُوا) استئناف (١) مثل قوله تعالى : قال قرينه ، كأن قائلا قال : فماذا قال الله؟ فقيل : قال لا تختصموا (لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) أي لا تختصموا في دار الجزاء وموقف الحساب فلا فائدة في اختصامكم ولا طائل تحته وقد أوعدتكم بعذابي على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي فما تركته لكم حجة عليّ ، والباء في بالوعيد مزيدة كما في قوله : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ) (٢) أو معدّية على أن قدّم مطاوع بمعنى تقدم.
٢٩ ـ (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) أي لا تطمعوا أن أبدل قولي ووعيدي بإدخال الكفار في النار (وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) فلا أعذب عبدا بغير ذنب ، وقال بظلّام على لفظ المبالغة لأنه من قولك هو ظالم لعبده وظلّام لعبيده.
٣٠ ـ (يَوْمَ) نصب بظلّام ، أو بمضمر هو اذكر وأنذر (نَقُولُ) (٣) نافع وأبو بكر ، أي يقول الله (لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) وهو مصدر كالمجيد ، أي أنها تقول بعد امتلائها هل من مزيد أي هل بقي فيّ موضع لم يمتلىء ، يعني قد امتلأت أو أنها تستزيد وفيها موضع للمزيد ، وهذا على تحقّق (٤) القول من جهنم وهو غير مستنكر كإنطاق الجوارح ، والسؤال لتوبيخ الكفرة لعلمه تعالى بأنها امتلأت أم لا.
٣١ ـ (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) غير نصب على الظرف أي مكانا غير بعيد ، أو على الحال وتذكيره لأنه على زنة المصدر كالصليل ، والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث ، أو على حذف الموصوف أي شيئا غير بعيد ، ومعناه التوكيد كما تقول هو قريب غير بعيد وعزيز غير ذليل.
٣٢ ـ (هذا) مبتدأ ، وهو إشارة إلى الثواب ، أو إلى مصدر أزلفت (ما
__________________
(١) في (ز) هو استئناف.
(٢) البقرة ، ٢ / ١٩٥.
(٣) في مصحف النسفي : يقول لذلك قال : نافع وأبو بكر.
(٤) في (ظ) و (ز) تحقيق.