(وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢) فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) (٢٣)
مدحوّة كالبساط لما فوقها ، وفيها المسالك والفجاج للمتقلّبين فيها ، وهي مجزأة فمن سهل ومن جبل ، وصلبة ورخوة وعذاة وسبخة (١) ، وفيها عيون متفجرة ، ومعادن مفتنّة (٢) ، ودواب منبثّة مختلفة الصور والأشكال ، متباينة الهيئات والأفعال (لِلْمُوقِنِينَ) للموحّدين الذين سلكوا الطريق السّويّ البرهانيّ الموصل إلى المعرفة ، فهم نظّارون بعيون باصرة وأفهام نافذة كلما رأوا آية عرفوا وجه تأملها فازدادوا إيقانا على إيقانهم.
٢١ ـ (وَفِي أَنْفُسِكُمْ) آيات أيضا (٣) في حال ابتدائها وتنقّلها من حال إلى حال ، وفي بواطنها وظواهرها من عجائب الفطر وبدائع الخلق ما تتحير فيه الأذهان ، وحسبك بالقلوب وما ركّز فيها من العقول ، وبالألسن والنطق ومخارج الحروف ، وما في تركيبها وترتيبها ولطائفها من الآيات الساطعة والبينات القاطعة على حكمة مدبّرها وصانعها ، دع الأسماع والأبصار والأطراف وسائر الجوارح وتأتّيها لما خلقت له ، وما سوّي في الأعضاء من المفاصل للانعطاف والتثني ، فإنه إذا جسا شيء منها (٤) جاء العجز ، وإذا استرخى أناخ الذل ، فتبارك الله أحسن الخالقين ، وما قيل إن التقدير أفلا تبصرون في أنفسكم ضعيف ، لأنه يفضي إلى تقديم ما في حيّز الاستفهام على حرف الاستفهام (أَفَلا تُبْصِرُونَ) تنظرون نظر من يعتبر.
٢٢ ـ (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) أي المطر ، لأنه سبب الأقوات ، وعن الحسن أنه كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه : فيه والله رزقكم ولكنكم تحرمونه بخطاياكم (وَما تُوعَدُونَ) الجنة ، فهي على ظهر السماء السابعة تحت العرش ، أو أراد أنّ ما ترزقونه في الدنيا وما توعدونه في العقبى كلّه مقدور مكتوب في السماء.
٢٣ ـ (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌ) الضمير يعود إلى الرزق أو إلى ما توعدون (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) بالرفع كوفي غير حفص ، صفة للحقّ أي حق مثل نطقكم ،
__________________
(١) عذاة : أرض لا يسقي زرعها إلا ماء المطر ، سبخة : أرض مالحة لا تبنت.
(٢) مفتنة : مصهورة.
(٣) ليس في (ظ) و (ز) آيات أيضا.
(٤) في (ظ) و (ز) منها شيء ، وجسا : صلب.