(فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) (٣١)
والسّلم السّلام (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي أنتم قوم منكرون فعرّفوني من أنتم.
٢٦ ـ (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ) فذهب إليهم في خفية من ضيوفه ، ومن أدب المضيف أن يخفي أمره وأن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف حذرا من أن يكفّه ، وكان عامة مال إبراهيم عليهالسلام البقر (فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ).
٢٧ ـ (فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) ليأكلوا منه فلم يأكلوا (قالَ أَلا تَأْكُلُونَ) أنكر عليهم ترك الأكل ، أو حثّهم عليه.
٢٨ ـ (فَأَوْجَسَ) فأضمر (مِنْهُمْ خِيفَةً) خوفا لأن من لم يأكل طعامك لم يحفظ ذمامك ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب (قالُوا لا تَخَفْ) إنا رسل الله ، وقيل مسح جبريل العجل فقام ولحق بأمه (وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) أي يبلغ ويعلم ، والمبشّر به إسحاق عند الجمهور.
٢٩ ـ (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) في صيحة من صرّ القلم والباب ، قال الزّجّاج : الصّرّة شدة الصياح ههنا ، ومحلّه النصب على الحال ، أي فجاءت صارة ، وقيل فأخذت في صياح وصرّتها قولها يا ويلتا (فَصَكَّتْ وَجْهَها) فلطمت ببسط يديها ، وقيل فضربت بأطراف أصابعها جبهتها فعل المتعجّب (وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) أي أنا عجوز فكيف ألد؟ كما قال في موضع آخر : (أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) (١).
٣٠ ـ (قالُوا كَذلِكَ) مثل ذلك الذي قلنا وأخبرنا به (قالَ رَبُّكِ) أي إنما نخبرك عن الله تعالى والله قادر على ما تستبعدين (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ) في فعله (الْعَلِيمُ) فلا يخفى عليه شيء ، وروي أنّ جبريل قال لها حين استبعدت : انظري إلى سقف بيتك ، فنظرت ، فإذا جذوعه مورقة مثمرة.
ولما علم أنهم ملائكة وأنهم لا ينزلون إلّا بأمر الله رسلا في بعض الأمور :
٣١ ـ (قالَ فَما خَطْبُكُمْ) أي فما شأنكم وما طلبتكم وفيم أرسلتم؟ (أَيُّهَا
__________________
(١) هود ، ١١ / ٧٢.